نبيل عمرو روائيا

12 يونيو, 2019 11:45 صباحاً
عمر حلمي الغول
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

نبض الحياة

القدس عاصمة فلسطين-إقتحم الإعلامي المتميز نبيل عمرو حقل إبداعي جديد، مصمما على تأكيد جدارته في ركوب أمواج البحر العاتية، وتطويع ذاكرته الغنية في إعادة قراءة المشهد العربي بين نقيضين، ولحظتين فارقتين في تاريخ العرب الحديث، فإستحضر "كفر عرب" نموذجا لإزالة الستار عن خيبتنا، وهزيمتنا، بعد ان كان المواطن العربي من الخليج إلى المحيط يعيش أحلاماً وردية تناطح أعالي السماء، حيث كان الإيمان الراسخ بالنصر على إسرائيل تحت قيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر من المسلمات واليقينيات.

لكن الخامس من حزيران / يونيو 1967 كان حدا فاصلا بين الطموح والحلم والواقع المرير. ذاب الثلج، وبان المرج، وإنهار وزير إعلام حربه، عبد الشقي، وسقط بيانه خلال ساعات قليلة، وغاصت كفر عرب في ظلام جديد، كأنها قطعت الحبل السري مع أي إنتصار عربي لاحق، ودخلت في بيت الطاعة للمستعمر الإسرائيلي، ولم يتمكن الحلاق نعيم من العودة إلى قريته، وخلع ثوب اللجوء، والإقتران بحبيبته. رغم ان البيانات العسكرية المتعاقبة، وهدير صوت أحمد سعيد، الإعلامي المصري كانت تقذف حممها الوهمية، واكاذيبها، وعدم صدقيتها، وتناقضها مع الوقائع لدس السم في العسل للمواطن العربي البسيط، مما ضاعف من حجم الهزيمة واللعنة والسقوط في متاهة المجهول

فاجأنا الصديق العزيز نبيل عمرو بإصدار روايته الأولى بعنوان "وزير إعلام الحرب" في طبعتها الأولى هذا العام (2019) عن دار الشروق الأردنية، والتي جاءت في 195 صفحة من القطع المتوسط، وهي كما أشير عالجت محطة تاريخية دقيقة من التاريخ الفلسطيني والعربي، نجم عنها هزيمة، أو نكسة حزيران/ يونيو 1967، التي تعتبر إمتدادا لنكبة ال1948، وتعميقا للجرح الفلسطيني خصوصا والعربي عموما، لاسيما وأن كل هزيمة عربية كانت بمثابة سكين حادة تأكل أولا وقبل كل شيء اللحم الفلسطيني الحي، وتنهش الأحلام الصغيرة، وتغوص عميقا في الجسد العربي دونما إستثناء، لتؤكد جدلية العلاقة الفلسطينية العربية، وعدم إمكانية فصلها.

ولعل قيمة وأهمية رواية "وزير إعلام الحرب" الآن هو ما سبق ذكره آنفا، اي تسليط الضوء على عدم إمكانية الفصل الميكانيكي ما بين الوطني والقومي، ما بين الفلسطيني واي عربي آخر حتى لو كان متناقضا، وكافرا ومعاديا لإهداف وطموحات شقيقه، الذي دفع الثمن الف مرة دفاعا عن امة العرب. ففي الوقت الذي يحاول بعض العرب الرسميين منذ التوقيع على إتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية 1978، وما تلا ذلك من إجتياح لبنان، والسعي لتصفية منظمة التحرير حزيران عام 1982، وحتى الآن مع إتساع دائرة الإنهيار والإنحدار العربي الرسمي، وتخلي ونفض بعض العرب يدهم من فلسطين وقضيتها، وحرف الأنظار عن جوهر الصراع في المنطقة، وإعادة إختلاق، وبناء أولويات للوحة الأعداء والأصدقاء بين شعوب ودول الوطن العربي ودول الإقليم بهدف طمس وتبديد القضية الفلسطينية، مع إصرار الإدارة الأميركية الحالية بزعامة ترامب وفريقه الصهيوني لتمرير صفقة القرن المشؤومة، فإن الرواية البكر لنبيل، كأن صدورها، مع انه الروائي لم يقصد ذلك، شاءت إعادة التأكيد، على ان هزائم العرب، وتبعيتهم البشعة والمرضية للغرب الرأسمالي عموما، وأميركا خصوصا، وتحالف بعضهم المعلن مع إسرائيل الإستعمارية دون خجل أو مواربة، والإستهتار بقدراتهم، ومكانتهم، وبإنغماسهم في الحروب البينية، هي تعميق للنكبة الفلسطينية، وذبح للفلسطيني وأهدافه وطموحاته بشكل يومي.

رواية "وزير إعلام الحرب" حاكت كل إنسان عربي وليس سكان "كفر عرب"، أو دورا الخليل فقط، وإن إختلفت التفاصيل من قرية لإخرى، ومن مدينة لمدينة في بلد عربي آخر، ومن دولة لدولة عربية ثانية، لإن الأحلام الواسعة، والعريضة تشمل كل العرب، وكل هزيمة أو نكسة تحط رحالها في عمق الوعي العربي، وتؤصل لتداعيات خطيرة في الجسد العربي الأشمل والأوسع.

شكرا للعزيز نبيل عمرو، الذي منحنا فرصة التعرف عليه روائيا، من خلال معالجة لحظة وجع، مازالت إنعكاساتها تضرب في اللحم والعظم والمفاصل العربية العربية، التي منحت إسرائيل الإستعمارية المارقة، والمدعومة أميركيا الفرصة لتواصل إستباحة العرب كل العرب من خلال إستباحة فلسطين. واي كانت الملاحظات الفنية على الرواية، فإنها لا تقلل من اهميتها، والتأكيد على أنها تستحق التقدير والإعجاب والقراءة.

[email protected]

[email protected]            

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار