لماذا تعاقد غوارديولا مع هالاند؟ وهل سيُضحي برياض محرز؟

15 مايو, 2022 11:24 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

لندن-بعث مدرب مانشستر سيتي بيب غوارديولا، رسائل شديدة اللهجة لعمالقة البريميرليغ وأوروبا، بعد وصول المهاجم المعجزة إيرلنغ براوت هالاند إلى ملعب «الاتحاد»، قادما من بوروسيا دورتموند، في صفقة أقل ما يُقال عنها «رخيصة الثمن»، لم تكسر حاجز الـ55 مليون جنيه إسترليني، ليعزز القوة الضاربة للهجوم السماوي، بالعثور على القطعة المفقودة في المشروع، وفي رواية أخرى، سلاح الردع، الذي سيرتكز عليه الفيلسوف لتحقيق هدفه الرئيسي مع النادي، وحل اللوغاريذم «العصي» عليه بدون ليونيل ميسي وإنييستا وباقي أساطير جيل برشلونة الذهبي.

صفقة العقد

يبقى توقيع مانشستر سيتي مع هالاند بهكذا تكاليف، مقارنة بالأرقام الفلكية التي تنفقها أغلب الأندية في أنصاف النجوم والمواهب المحدودة، في حد ذاته بمثابة الدليل القاطع، على تحول السيتي من ذاك النادي، الذي كان يستقطب الأسماء الرنانة بتأثير وسحر المال والميزانيات المفتوحة، إلى الملاذ الآمن وجنة المواهب والنجوم السوبر ستارز، وباعتراف الغريم قبل المؤيد، تخطى فكرة الوقوف على قدم المساواة مع خصومه المحليين والقاريين، وأصبح فعليا ضمن القائمة المختصرة للجبابرة الأعلى جودة وكفاءة فرديا وجماعيا في القارة العجوز، وإذا استثنينا الصفقة الأغلى في تاريخهم جاك غريليش، وصفقات أخرى بالكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، سنلاحظ أن الأصلع الكتالوني ومواطنه شيكي بيغرستين، أحدثا هذه الثورة والتغيير الجذري في منظومة الكرة برمتها داخل النادي، بما في ذلك شخصية الفريق وعقلية اللاعبين، بتخطيط وإدارة تُدرس في كيفية استثمار المال واستغلاله بالشكل الصحيح الذي يخدم المشروع، ويتجلى ذلك في تقارب الأرقام المدفوعة في القوام الرئيسي للفريق الحالي، الذي يمضي قدما نحو معانقة الدوري الأكثر قوة وشهرة عالميا للمرة الرابعة في آخر خمسة مواسم، وكان على بعد دقائق تعد على أصابع اليد الواحدة للترشح للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا للعام الثاني توليا، والحديث عن عبقري المجموعة كيفن دي بروين والساحر الهداف رياض محرز وبيرناردو سيلفا ورحيم ستيرلنغ وإيميريك لابورت والمدافع الأغلى روبن دياش وباقي النجوم، الذين تراوحت أسعارهم وقت الشراء من 70 لـ50 مليون بعملة المملكة المتحدة.
وعلى عكس مثلا عدو المدينة، مانشستر يونايتد، الذي حطم الأرقام القياسية على مستوى الإنفاق، لكن شتان في مستوى النتائج والألقاب والبصمة داخل المستطيل الأخضر مع الأكثر تتويجا بالألقاب في إنكلترا في السنوات الماضية، بإجمالي عشرة ألقاب وفي الطريق نحو اللقب الحادي عشر، وهذا ساهم في تخلص النادي من النظرة والانطباع المحفور في الأذهان عنه، كمؤسسة تغري النجوم برواتب فلكية، إلى الصورة التي يبدو عليها الآن. ناد يملك من الثقل والسمعة العالمية ما يكفي لإغراء وجذب أفضل اللاعبين، حتى لو كان اسمه هالاند، الذي اقترن مستقبله بالكبار وأصحاب القمصان الساحرة، في مقدمتهم عملاقا الليغا ريال مدريد وبرشلونة، وزعيم ألمانيا بايرن ميونيخ وفرق أخرى بنفس الوزن في إنكلترا وخارجها، بيد أنه في الأخير اقتنع بالمشروع السماوي، في انتصار جديد لسياسة المان سيتي، التي تعتمد في المقام الأول على استغلال الفرص الثمينة، في ما يُعرف في عالم السيارات «القيمة مقابل السعر»، بعيدا عن «الشو الإعلامي» أو ما تُعرف الصفقات الرائجة بهدف استعراض وإهدار المال، بدليل، صفقة هالاند تصنف كتاسع أغلى توقيع في تاريخ النادي، لكن على أرض الواقع، يصعب الجدال على أنها ستكون صفقة العقد، إلا إذا حدثت أشياء خارج التوقعات، أو سقط بيب في أخطاء الماضي.

شبح زلاتان أم ليفا جديد

لا ينسى عالم كرة القدم عموما، وجمهور برشلونة بالأخص، مشاكل غوارديولا مع أصحاب المركز رقم 9، لعل النموذج الأشهر والأقرب لوضع هالاند، هو الاسكندينافي الآخر زلاتان إبراهيموفيتش، الذي أتى به إلى «كامب نو» في صيف 2009، لتحسين مستوى جودة الثلث الأخير من الملعب، وإضافة بعد جديد في الهجوم، وكان ذلك في حملة الدفاع عن أول ثلاثية في تاريخ البلوغرانا، لكن في نهاية المطاف، أخفق بيب في توظيف أيقونة السويد، تارة بتهميشه على مقاعد البدلاء في مباريات مهمة، وتارة لاعتماد الفريق على طريق وأساليب تعيق إبرا على إظهار قوته في مكانه المفضلة داخل مربع العمليات، أو كما سخر المثير للجدل من مدربه السابق «اشترى فيراري وتعامل معها كسيارة فيات 128»، حتى الهداف التاريخي لمانشستر سيتي سيرخيو أغويرو، لم يشعر بالضيق والخوف على مكانه في التشكيل الأساسي، إلا في سنواته الأخيرة تحت قيادة غوارديولا، وإلى الآن، يُفضل اللعب بدون رأس حربة صريح، حتى لو كان غابرييل جيسوس في أفضل حالاته الفنية والبدنية، فقط الاستثناء الوحيد مع بيب في هذا المركز كان ماكينة الأهداف البولندية روبرت ليفاندوسكي في تجربته مع بايرن ميونيخ.
والسؤال هنا، هل سيواجه صاحب الـ21 عاما مصير زلاتان مع بيب؟ أم سيسير على خطى ليفا ويكون القطعة المفقودة لكسر لعنة الكأس ذات الأذنين؟ قبل الإجابة، دعونا نتفق على أنه من الناحية الظاهرية، يبدو وكأن المان سيتي ليس بحاجة لمهاجم جديد، كونه بلغة الأرقام يملك أقوى خط هجوم في الدوري الإنكليزي الممتاز، بما مجموعه 94 هدفا، بعد افتراس نيوكاسل وولفرهامبتون بـ10 أهداف في آخر مباراتين، لكن من ناحية المنطق والعقل، فالفريق في أمس الحاجة لمهاجم من الطراز العالمي، ليس في المرحلة القادمة، بل منذ الاتفاق مع ألكون على الانفصال الموسم الماضي، والأمر هنا لا يتعلق بنسبة الأهداف التي كان يسجلها النجم الأرجنتيني على مدار الموسم، بل لأهدافه المؤثرة في المباريات المعقدة، عندما يعجز صناع اللعب والأجنحة على استكشاف مرمى المنافسين. وهذا الأمر يُدركه بيب أكثر من غيره، وإلا لما حاول التوقيع مع أمير توتنهام هاري كاين الصيف الماضي، لولا مبالغة الرئيس اللندني دانيال ليفي في شروطه المادية، ليجني غوارديولا ثمار الصبر، باقتناء الموهبة الأكثر انفجارا في أوروبا، وبدون مبالغة، المهاجم الأكثر رعبا وشراسة في الوقت الراهن، وذلك بنصف الميزانية التي كانت مخصصة لقائد المنتخب الإنكليزي، والأهم، يمكن الاستفادة بالوافد الجديد، ضعفي السنوات التي كان سيقضيها كاين في الجزء السماوي لعاصمة الشمال، ناهيك عن مقوماته وإمكاناته، سواء الجسدية أو الفنية، التي تؤهله لكتابة المجد مع السيتي بأثر فوري، أو على الأقل، لن يستغرق وقتا لتقديم أوراق اعتماده، كصفقة رابحة لناديه الجديد.

مؤشرات الانفجار

الشائع عن هالاند، أنه ابن لاعب ليدز يونايتد ومانشستر سيتي الأسبق ألف إنغه هالاند، صاحب الواقعة الدموية الشهيرة مع قائد مانشستر يونايتد الأسبق روي كين، التي أجبرت الوالد في ما بعد على اعتزال الكرة، وأنه بدأ في خطف الأنظار، منذ انتقاله إلى ريد بول سالزبورغ، لكن في حقيقة الأمر، كل المؤشرات والتوقعات، كانت ترجح ما وصفته «بي بي سي» صعوده «النيزكي»، منذ يومه الأول في اختبارات أكاديمية بلدة براين، الواقعة جنوب غربي النرويج، ويسكنها حوالي 12 ألف نسمة فقط، وآنذاك لاحظ مكتشفه ألف إنغفي بيرنتسن، أن الطفل البالغ من العمر ثماني سنوات عام 2008، يسبق زملاءه في مرحلته العمرية بسنين ضوئية، لتمتعه بالمهارات الأربع الأساسية «تكتيكية، تقنية، قوي جسديا، والعقلية الاحترافية»، لأسباب تتعلق بجيناته الرياضية التي ورثها من والده لاعب كرة القدم المحترف، ووالدته غري ماريتا براوت، بطلة ألعاب القوى، وتحديدا لعبة السباعي، إلى جانب اهتمام الوالدين وشغف الصغير بالمركولة المجنونة، ما ساهم في تشكيل ملامحه المرعبة، كمهاجم صاعد بسرعة الصاروخ إلى سماء العالمية، بعمر 15 عاما، عندما شاء القدر، أن يتولى مكتشفه القيادة الفنية لفريق براين الثاني، ويمنحه فرصته، للتعبير عن نفسه في 16 مباراة، كانت كافية لنقله إلى المرحلة التالية، باللعب تحت قيادة أولي غونار سولشاير في تجربته مع مولده النرويجي، كمحطة قبل أن يشق طريقه خارج الوطن، بالذهاب إلى ريد بول سالزبورغ عام 2019، نفس العام، الذي بدأ يلامس فيه أضواء الشهرة والنجومية، بعد حصوله على جائزة هداف كأس العالم تحت 19 عاما، منها تسعة أهداف في شباك الهندوراس.
وتبعها بتسجيل ثلاثة أهداف (هاتريك) في أول ظهور له في دوري أبطال أوروبا أمام غينك في سبتمبر/ أيلول 2019، ولم يتوقف عن التسجيل أمام ليفربول ونابولي، ليخطفه بوروسيا دورتموند في النافذة الشتوية، بعد وصول سجله لـ28 هدفا من مشاركته في 22 مباراة مع فريقه النمساوي، في مفاجأة هزت الرأي العام الكروي في شتاء 2020، لأن التوقعات كانت تصب في مصلحة مانشستر يونايتد ويوفنتوس، لكن بعد ذلك، تبين أنها كانت رغبة اللاعب ووكيله الراحل مينو رايولا، ليواصل التعلم والنمو في بيئة آمنة ومناسبة للمراهقين الطامحين في الذهاب لأحد كبار إنكلترا أو واحد من عملاقي الليغا، وهو ما حدث وبأثر فوري، عندما تصدر عناوين الصحف في ألمانيا بتسجيل هاتريك في ظهوره الأول بقميص أسود الفيستيفاليا، بعدها أصبح الباقي تاريخاً، بسلسلة من الأرقام القياسية المذهلة، وصلت لحد تسجيل 85 هدفا من مشاركته في 88 مباراة، ولولا سوء حظه مع لعنة الإصابات التي طاردته منتصف الموسم الجاري، بجانب هبوط منحنى مشروع البوروسيا، لربما كسر حاجز الـ100 هدف قبل مغادرة «سيغنال ايدونا بارك»، كمؤشر أننا أمام وحش كاسر، يعرف المقولة المأثورة «من أين تؤكل الكتف»، خطواته وقراراته في تسلق الجبل، ليست عشوائية، بل مخطط لها ومعروفة نتائجها ومكاسبها، قبل الانتقال إلى المحطة التالية، والآن يُمكن القول، إنه بدأ مرحلة الجد، أو كما يدور في رأسه، بدأت رحلة البحث عن أحلام الطفولة، بمعانقة الألقاب الجماعية الكبرى، ومنافسة ورثة الثنائي الخارق ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو على جائزة «الكرة الذهبية» في السنوات القادمة، وبطبيعة الحال، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، واستمر منحنى اللاعب في الصعود بالقميص السماوي، وهو السيناريو الأقرب للمنطق والمتوقع حدوثه، لعدة أسباب، منها على سبيل المثال لا الحصر، أن المراهق لم يظهر أي علامات على التباطؤ، ورغم معاناته مع لعنة الانتكاسات من حين لآخر، إلا أنه أثبت عمليا، أنه ليس من النوع الذي يتأثر بالابتعاد عن الملاعب، غير أنه يتمتع بصحة جيدة، مع بنيان جسدي يحاكي أجداده الأوائل الاسكندينافيين، والأغرب على الإطلاق، جمعه بين الطول الفارع وسرعة الانطلاق، ما يعطيه أفضلية ساحقة على جُل مدافعي العالم، سواء في ألعاب الهواء أو في سباقات السرعة في الأمتار الأخيرة للملعب، وبشهادة زملائه ومدربيه السابقين وما نشاهده بأعيننا في البث الرسمي، فهو لاعب غير أناني بالمرة، ويعطي الأولوية لمصلحة الفريق، ويظهر ذلك في إجادته عملية سحب المدافعين، لخلق مساحة للقادمين من الخلف إلى الأمام، ودائما يبادر بصناعة الفرص وتقديم التمريرات الحاسمة.

الرجل المخلص والضحية

حتى نفهم رسالة غوارديولا لغريمه التقليدي يورغن كلوب وباقي الخصوم داخل المملكة المتحدة وخارجها، لنا أن نتخيل تأثير هذا «الهالاند»، الذي يتعامل مع الفرص وهفوات المدافعين وحراس المرمى، على أنها مسألة حياة أو موت، مع الفريق الملقب بـ«ملك» النتائج الساحقة في الدوري الأكثر قوة وتنافسية في العالم، بما مجموعه 31 مباراة، انتهت بفضائح كروية (خماسية أو أكثر) منذ وصول غوارديولا للدفة الفنية عام 2016، حتما المقصود بها، ليس مجرد الحفاظ على جودة وقوة مشروعه، بل للكشف عن نواياه، بعدم الاكتفاء بالألقاب المحلية، التي سيطر عليها في بلاد الضباب في السنوات الماضية، والأهم، أخذ خطوة عملاقة نحو المستوى التالي والأخير لفك طلاسم كأس دوري أبطال أوروبا، التي تمنعت عليه بغرابة شديدة في آخر نسختين، وكانت كاشفة لحاجته الماسة لمهاجم رقم 9، من النوع الذي لا يتوقف عن التسجيل، لتقديم يد العون لمن يتناوب عليهم في مركز المهاجم الوهمي، رحيم ورياض وغريليش والبقية، خاصة في المباريات التي يعاني فيها الفريق هجوميا، مثل موقعة إياب ربع النهائي أمام أتلتيكو مدريد، وأيضا ليلة الخروج الصادم أمام ريال مدريد في نصف النهائي، وفي وجود هذا الكم المرعب من صناع اللعب والأجنحة في تشكيلة السيتي، سيكون نجاح هالاند وانفجار معدل أهدافه، مجرد مسألة الوقت، وهذا أكثر ما يخشاه خصوم السكاي بلوز في المرحلة المقبلة، لأنه سيضمن هيمنة بيب على الألقاب لسنوات.
لكن العزاء الوحيد للخصوم، أن غوارديولا سيضطر للتخلي عن واحد من أفراد العصابة في الميركاتو الصيفي المقبل، إما للحفاظ على ميزانية الأجور وتفادي خرق قوانين اللعب المالي النظيف، وإما لعدم الحاجة للضحية المنتظرة بعد وصول هالاند، وأغلب التقارير تتحدث عن واحد من الثلاثي رحيم ستيرلنغ وبيرناردو سيلفا أو رياض محرز، ويبقى الأقرب منطقيا ونظريا، هو الدولي الإنكليزي، ليس فقط لإصراره على المماطلة في مفاوضات تجديد عقده، بل أيضا لصعوبة موافقته على الاستمرار في ظل وجود هالاند، باعتباره عراب مركز المهاجم الخادع، وأكثر من كان يعتمد عليه في هذا المركز في غياب جيسوس، وهذا يعني أن دقائق لعبه ستنخفض أكثر من وضعه الحالي، أما إذا حدثت مفاجأة، سيكون الضحية واحدا من سيلفا أو محرز، رغم أهمية الثنائي في إستراتيجية وأسلوب غوارديولا، بالتعامل مع البرتغالي، على أنه جوكر، بتوظيفه في كل مراكز الثلث الأخير من الملعب، ونفس الأمر بالنسبة للساحر الجزائري، يعطيه أولوية على الجميع، بمن فيهم أغلى صفقة في التاريخ غريليش، بعد وصول رياض لأعلى مستوى فردي في مسيرته، كما يظهر في أرقامه المثيرة للإعجاب، بتوقيعه على 24 هدفا بالإضافة لـ9 تمريرات حاسمة من مشاركته في 2785 دقيقة في 45 مباراة في مختلف المسابقات، لكن لا ننسى، أنه لم يغلق ملف تأمين مستقبله في «الاتحاد» إلى ما بعد 2023، وهناك اشاعات تضع اسمه في جمل مفيدة مع أندية بحجم باريس سان جيرمان وريال مدريد وميلان وأندية أخرى، فمن يا ترى سيكون ضحية الصفقة الجديدة؟

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار