ألمٌ في رحاب ذكرى النكسة الحزيرانية ..!

04 يونيو, 2022 10:19 مساءً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

رام الله -تحلّ علينا ذكرى النكسة الحزيرانية بنتائجها الكارثية، ذكرى العدوان الغاشم في الخامس من حزيران للعام سبع وستين، الذي قام به العدو الصهيوني على ما تبقى من أرض فلسطين، وعلى الدول العربية المجاورة لفلسطين، إنه الخامس من حزيران للعام ألف وتسعمائة وسبع وستين، إنها ذكرى تحمل في ثناياها المرارة والألم، والتي تزداد مرارتها عام بعد عام.
لم أستطع أن أنسى ذلك اليوم الكئيب والحزين وما حمل من نتائج كارثية، لا زلت أكتوي شخصياً بها، كما يكتوي بها كل الشعب الفلسطيني ومعه الأمة العربية، ولا زال العالم ومنظماته وعلى رأسها الأمم المتحدة، عاجزين عن إزالة تلك المرارات والنتائج الكارثية التي خلفها هذا العدوان الغاشم، وأكثر من ذلك ما ارتكبه بعدها من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، فقد هجر من هجر، وقتل من قتل، واعتقل من اعتقل، وصادر ما صادر، من أراض وممتلكات الفلسطينيين منذ ذاك اليوم المشؤوم والى الآن، ولا يجد هذا الكيان الفاشي العقوبة الرادعة، فيستمر في غيه، ولا زال يتغول في غيه ويرتكب جرائمه اليومية من قتل واعتقال واستيطان وتدنيس للمقدسات، التي هي في عرف القانون الدولي الحديث والقديم لا يمكن توصيفها سوى أنها جرائم حرب موصوفة، فكل ما أقدم عليه من تهجير أو تقتيل أو اعتقال أو مصادرة في حق الفلسطينيين وممتلكاتهم، كان ولا زال وسيبقى مخالفاً لأبسط قواعد القانون الدولي ولمبادئ حقوق الإنسان.
اليوم يكون قد اكتمل عمر هذا العدوان خمسة وخمسين عاماً من المعاناة المستمرة والمتعددة الأشكال التي أذاقها للشعب الفلسطيني طيلة سنوات احتلاله البغيض، وخلف هذا العدوان هزات ارتدادية طالت دول المنطقة وخصوصاً دول الجوار لفلسطين المحتلة، لا زالت تعاني من آثارها.
عند وقوع العدوان كنت قد أنهيت الصف السابع أو ما يسمى الأول الإعدادي أو المتوسط بنجاح كالعادة، وكانت قد بدأت حينها العطلة الصيفية لتوها، ومع قرع طبول الحرب في تلك الفترة، كنت أعتقد أن العدو لن يقدر على الدول العربية إذا ما وقعت الحرب، وكان عندي ثقة كبيرة وأمل كبير بأن النصر سيكون حليفاً للعرب، وسوف تتحرر فلسطين المحتلة عام 1948م إذا ما وقعت هذه الحرب، وسننعم بالعودة إلى السهل الساحلي (السهل الغربي) وبشواطئ المتوسط التي حرم منها جيلي، وسنلتقي أقاربنا الذين فصلوا عنا في شفا عمر والناصرة وفي حيفا ويافا، كما سيجري الوصل بين الأهل في الضفة الغربية مع الأهل في قطاع غزة، كل هذه الأحلام للصبي أنا، كانت هي أحلام كل فلسطيني، بل وكل عربي، حلم بتحرير فلسطين وعودة شعبها المهجر من اللاجئين الهائمين على وجوههم، ويحلمون بالعودة إلى الديار التي حملوا معهم مفاتيحها، في ليلة الخامس من حزيران المشؤوم، نِمتُ مبكراً لأني كنت على موعد مع الوالدة "رحمها الله" لمرافقتها إلى كرم جميل لنا إسمه ((الغرس))، يقع في شرق البلدة، كان مزروعا بأشجار اللوز، والزيتون، والعنب، والتين، والبرقوق، والمشمش، والتفاح السكري، الذي كنت أعشقه، وكانت تباشير نضجه قد بدأت، ففي الصباح الباكر، أفطرت كوباً من الشاي، وقطعة من الخبز المحمص، مع قطعة من الجبن الأبيض النابلسي المالح، وأنطلقت إلى جانب الوالدة، أسابق الريح للوصول إلى الغرس، حيث وصلنا بعد مسير أقل من نصف ساعة من إنطلاقنا، وباشرت الوالدة بقطف أوراق العنب، لأنها قررت أن تحضر وتهيء لنا ذلك اليوم غداء من ورق العنب المحشو بالرز وبالقليل من اللحم المفروم.
وأما أنا، فعهدت ووكلت إليَ الوالدة مهمة إنتقاء بعض من الثمار التي قد نضجت، خصوصاً من التفاح السكري الفريد في نظري لغاية الآن، ولم تمر برهة من الزمن، وإذا بصوت مزلزل، يكسر صمت المكان والزمان، ويتردد صداه بين التلال والجبال، أدخل الهلع إلى نفسي، فتوجهت جرياً نحو الوالدة والتصقت بها، ونظرت إلى السماء وإذا بأربع طائرات تحلق في سماء المنطقة، كان الظن حينها أنها طائرات عربية أردنية أو عراقية، لأنها كانت قادمة من جهة الشرق، وكان تعليق الوالدة أن الحرب قد وقعت، وقالت :(يما خلينا انروح على البيت إنشوف إخوتك ونشوف إيش راح نعمل)، وقطعت مهمتها وزيارتها الأخيرة للغرس ومهمتي التي لم يكتمل سروري بها ..!
وصلنا إلى البيت واجتمع الجيران، وبدأ الكبار يتحدثون، فهمت أن هذه الطائرات لم تكن عربية، وإنما كانت طائرات معتدية صهيونية، كانت في مهمة قصف للمطارات الأردنية وكانت عائدة في طريقها إلى قواعدها وآثرت القيام بعملية إختراق للصوت لتدخل الهلع والرعب في نفوس المدنيين الآمنين من سكان المنطقة، هكذا عشت الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين الخامس من حزيران للعام ألف وتسعمائة وسبع وستين.
إنها مرارة بعينها، والألم بعينه يتكرر كل عام، لن يمحوه من نفسي سوى زوال الاحتلال، والعودة للوطن الذي سلبنا، وأكمل أنا وأولادي مشوار الوالدة الذي لم يكتمل .. بعد، هذه هي الواقعة الكارثة النكسة الحزيرانية، كما أراها كل عام.
ومع ذلك سأبقى أنا الحاضر ... أنا المنفي ... أنا الشطآن والمرفأ ... أنا الآلام ... أنا صدر الزمان ... أنا العائد مهما طال الزمان ... أنا المكان لن أبرح ...!
د. عبد الرحيم جاموس
4/6/2022 م
[email protected]

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار