ثقل ومكانة دول "البريكس"

26 يونيو, 2022 09:02 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

نبض الحياة 

رام الله -في ظل حالة الاستقطاب الحاد بين الغرب الرأسمالي برئاسة الويات المتحدة وروسيا الاتحادية، وفرض ستة حزم من العقوبات الاقتصادية والديبلوماسية والأمنية الغربية على بلاد الدب الروسي في اعقاب الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ حوالي أربعة اشهر خلت، عقدت دول البريكس الخمس مؤتمرها في دورته ال14 يومي الخميس والجمعة الماضيين الموافقين 23 و24 حزيران الحالي برئاسة الرئيس الصني جين شين بينغ عبر تقنية الفيديو، وحضرها رؤساء الدول الأعضاء: بوتين الروسي، وناريندرا الهندي، وجايير بولسونارو البرازيلي، وسيريل رامافوزا الجنوب افريقي. 
وتكمن أهمية القمة في أولا انعقادها دون تخلف أي من أعضاءها، وهو ما يؤكد تكافلها وتعاونها فيما بينها، وعمليا رفض سياسة العقوبات الغربية على روسيا الاتحادية؛ ثانيا تأكيد البيان الختامي لها على بناء شراكة عالمية للتنمية في عصر جديد، وهو ما يعني بشكل مباشر، ان الدول الخمس ذات الثقل المركزي في العالم في الحقول المختلفة الديمغرافية والاقتصادية والنقدية والعسكرية، تدعم وتتبنى الموقف الروسي بشكل واضح، وخاصة ما اكد عليه الرئيس بوتين مرات عدة بشأن تجاوز العالم مرحلة  القطب الواحد، الذي  ولى إلى غير رجعة، ولم يعد قائما، وهذا ما تعكسه الحقائق على الأرض التي تشير بوضوح ان عالم اليوم، هو عالم الأقطاب المتعددة، وعلى الولايات المتحدة قبول الواقع والتعامل معه دون تطرف. لان مقود القيادة ضاع من يدها؛ ثالثا توحيد الجهود لترجمة وتطبيق التنمية المستدامة حتى العام 2030؛ رابعا تم التخطيط المشترك لمناقشة قضايا مثل مكافحة الإرهاب، والتجارة، والرعاية الصحية، والطب التقليدي، والبيئة والتطورات العلمية والتقنية المبتكرة، والزراعة، والتعليم والتدريب التقني والمهني بالاضافة الى مشاريع الاعمال الصغيرة والمتوسطة الحجم. 
كما ان وزير خارجية الصين، وانغ يي كان صرح في أيار / مايو الماضي، إن الجانب الصيني يدعم التوجه للبدء بفتح باب مجموعة البريكس امام الدول الراغبة في الانضمام لها، لاظهار انفتاح وشمولية دول البريكس، والاستجابة لتوقعات الدول النامية، والمساعدة في تمثيل المنظمة وتأثيرها، وتقديم مساهمة اكبر في الحفاظ على السلام والتنمية في جميع انحاء العالم. وهو ما يعني ان المجموعة ستكون ملاذا كبيرا للدول النامية المكبلة بقيود وتعقيدات البنك وصندوق النقد الدولي، والإجراءات الفوقية الاستعلائية من قبل دول الغرب الرأسمالي عموما وأميركا خصوصا. 
هذا وتكمن أهمية المؤتمر الرابع عشر لدول البريكس، إضافة الى التكامل والتعاضد بين دوله ذات الوزن الاستراتيجي عالميا، انه جاء في اعقاب تحذير مؤتمر "دافوس"، الذي عقد قبل فترة وجيزة دول العالم عموما ومجموعة العشرين خصوصا، بأن العولمة تواجه أسوأ مراحلها منذ الحرب العالمية الثانية نتيجة انتشار الأوبئة، وتفاقم ندرة الغذاء، وتراجع سلاسل الامداد، وتدهور المناخ، وتضاعف الديون السيادية، ما أدى إلى استشراء التضخم والتهديد بالركود الاقتصادي، وارتفاع وتيرة الحروب التجارية والدموية. وجاء هذا التحذير على اعتاب الفوضى الخلاقة التي ابتدعتها الدول الرأسمالية، وعاثت في الأرض فسادا خلال العقود الثلاثة الماضية مستغلة قدرتها على تطويع ثغرات النظام العالمي الجديد لصالحها، ولكنها فشلت ولم تتمكن من السيطرة على الأقطاب الدولية المركزية، وعمودها الفقري دول البريكس. 
ولمن لا يعرف ثقل ومكانة دول البريكس عالميا، يمكن ابراز اهم مفاصل قوتها، فهي أولا من حيث عدد السكان توازي تقريبا نصف سكان الكرة الأرضية، او بالضبط اكثر من 40% من اجمالي سكان المعمورة؛ ثانيا تحوز على مساحة تضاهي حوالي 30% من مساحة العالم؛ ثالثا قدرتها الاقتصادية توازي 23% من الناتج الاقتصادي العالمي، وتستحوذ على 18% من اجمالي التبادل التجاري الدولي، وتمتلك نحو 40% من مجموع احتياطات العالم لتنافس بحلول العام 2030 اقتصاديات اغنى دول العالم بما فيها اميركا وأوروبا واليابان ودول الخليج العربي مجتمعة. وهذا ما اثار فزع دول الغرب الرأسمالية، خاصة وان تقارير صندوق النقد الدولي توقعت مؤخرا ان تتربع الصين في عام 2030 عرش اكبر اقتصاد عالمي بناتج محلي اجمالي يفوق 83 تريليون دولار، لتتفوق بذلك على اميركا التي ستحتل المرتبة الثانية بناتج محلي لا يزيد عن 34 تريليون دولار، وتراجع اليابان الى المرتبة الرابعة بعد الهند، التي ستحتل المرتبة الثالثة بناتج محلي اجمالي يفوق 26 تريليون دولار. 
كما ان دول البريكس وضعت هدفا وخطة للتصدي للفوضى الخلاقة، وكل السياسات الغربية العبثية بإرادة صلبة، وعقدت العزم على مجابهة التحدي بتحدي اعظم من خلال تسريع تطوير هياكلها الإدارية، وتطويع ازماتها المالية، وتذليل عقباتها التنموية، إلى جانب تدويل عملاتها المحلية، اضف إلى انها أسست قاعدة تعاون استثمارية وتجارية مشتركة، وكونت منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات، لدفع احتساب التجارة البينية بالعملة المحلية، وتسهيل مبادلاتها الاستثمارية وتعاونها المشترك في كافة المجالات. 
ولهذا استدرجت دول الغرب بقيادة واشنطن روسيا الاتحادية لحرب أوكرانيا، وفرضت ضرائب غير مسبوقة على منتجات الصين، وتحاول استدراجها في تايوان لاستنزافها، وحاولت ان تدس السم في عسل العلاقات البينية بين دولها بهدف تمزيق ائتلافها، لكنها فشلت حتى الان فشلا ذريعا، ولم تتمكن من هزيمة إرادة دول البريكس مجتمعة ومنفردة. كما ان عقوباتها متعددة الحزم على روسيا والصين اصطدمت بجدار اقتصادي منيع من داخل الدول، ومن داخل المجموعة، مما افشل مخططها، وارتد على اقتصادات الدول الغربية مجتمعة منفردة، الامر الذي فاقم من عمق الازمة التي تعيشها تلك الدول، وانعكاس ذلك على ازمة الغذاء العالمي، التي قد تؤدي الى سقوط ضحايا نتاج سوء التغذية وغلاء السلع بعشرات الملايين من البشر وخاصة في دول العالم الثالث. في المجمل اللوحة العالمية لم تعد ذاتها، وعلى الولايات المتحدة الإذعان للإرادة الدولية، وحتى لو ذهبت لحرب عالمية اوسع وبالوسائل العسكرية العنفية، فإنها ستكون ومنظومتها الغربية الخاسر الأكبر.
[email protected]
[email protected]   
 

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار