غياب فيصل الحسيني فارس القدس وأميرها وشهيدها

10 يوليو, 2023 09:39 مساءً
محمود جودت محمود قبها
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

رام الله -الذكرى الـ 22 لرحيل عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أمير القدس فيصل الحسيني الذي عرف بدوره السياسي في مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية وكرّس حياته لدعم القدس ولد الحسيني في بغداد 17 تموز/ يوليو 1940 ووالده هو الشهيد عبد القادر الحسيني قائد القوات الفلسطينية في معركة القسطل التي استشهد فيها وكان لوالده الأثر الكبير في تعزيز وعيه السياسي فيما بعد عبر مرافقته في جميع تحركاته و رحلاته وانتقاله معه إلى القاهرة ما ساهم في تشجيعه على الخطابة أمام الجمهور وحفظ القصائد الوطنية.

تعرف على الزعيم الراحل الشهيد ياسر عرفات أثناء دراسته الجامعية في القاهرة وشارك في حركة القوميين العرب عام 1957، و إنشاء وتأسيس المنظمة الطلابية الفلسطينية عام 1959 التي أصبحت فيما بعد نواة لمنظمة التحرير الفلسطينية انضم الحسيني إلى حركة فتح عام 1964 قبل أن يعمل في قسم التوجيه الشعبي في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في القدس حتى عام 1966.

 

عندما نستذكر فيصل الحسيني فهذا يعني أنّ علينا الاستفادة من تاريخ هذا الرّجل الذي أحبّ وطنه وشعبه وبادلوه حبّا بحب فيصل الحسيني درس تاريخ من سبقوه واستفاد منه بأن جعل شعبه ملاذه الأوّل الأخير فالرّاحل الذي استحق بجدارة لقب أمير القدس خدم مدينته وشعبه بكل ما أوتي من قوّة وواضح أنّ فيصل الحسيني قد أدرك القوّة الكامنة في الشّعب، فنذر نفسه لخدمة شعبه ووطنه رمى نفسه في أحضان شعبه وما خاب ظنّه فقد التفّ الشّعب حوله وشكّل له سياجا يحميهم فهل استفاد فيصل الحسيني من تجربة والده الشّهيد الذي رأى أنّ الثورة تنبت في أحضان الشّعب وآمن بمقولة اخدم شعبك يحميك وهكذا فإنّ الشّعب هو من أطلق على فيصل أمير القدس لأنّه رأى فيه القائد الذي يؤثر مصالح وطنه وشعبه على ما دونهما.


لقد نذر فيصل الحسيني نفسه لخدمة مدينته القدس، وخدمة مواطنيها، فكنت تراه في المناسبات جميعها، تراه في أفراح المدينة وأتراحها، لم يتعال على مواطنيه، بل كان واحدا منهم، مع أنّه كان الصدر الحنون لمن حلّت به ضائقة، حتّى ظنّ البعض أنّه قادر على حلّ كلّ الأمور المستعصية، وكان شديد الحرص على وحدة الشعب وعلى الأمن الاجتماعيّ، فما أن تحدث مشكلة ما إلا وتجده قد سارع إلى حلّها، كي لا تتطوّر إلى ما هو أبعد من ذلك، لم يكن ينتظر أنّ تأتيه شكاوي المواطنين إلى مكتبه أو إلى بيته الذي كان مفتوحا للجميع، بل كان هو من يبادر إلى تلمّس مشاكل وهموم النّاس، ويسارع الى احتوائها وحلّها، فالرّجل لم يكن "مناضل" مكاتب، بل كان فارس ميدان.

كان فيصل الحسيني حارساً أميناً للقدس وقائد فلسطيني جامع للكل الوطني مدافعاً عن القدس وعروبتها، محارباً للاستيطان اليهودي في جميع أحياء القدس بدون استثناء، وتعرض للعديد من محاولات الإغتيال من العصابات الصهيونية قضى الكثير من حياته في "بيت الشرق" بالبحث على التراث الفلسطيني، وإعداد الخرائط والأدلة التي تثبت الحق الفلسطيني لمدينة القدس، ومواجهة وفود المجتمع الدولي والاحتلال بالحقائق والأدلة والبراهين التي تثبت ملكية الفلسطينيين للمباني والمنازل والأراضي.



أحبته أزقة المدينة القديمة وحي الشيخ جراح وجبل أبو غنيم وسلوان وجبل المكبر وجميع أرجاء القدس المحتلة وأبنائها الذي عمل دوماً على شد أزرهم ورفع معنوياتهم، ومشاريع ترميم المدينة والكثير من النشاطات الخيرية والاجتماعية وتقديم المساعدات للأسر المتعففة وراءنا بقيت المأساة وشبح الاورينت هاوس كان على جدرانه نقش بحروف باهتة تقول: عشرون عاما مرت فهلا تعلمنا أنه لا يوجد لبعض القادة خليفة أو بديل وهلا اعترفنا أن مدينة ينام أهلها عن حقهم في العيش بكرامة و هوية أصيلة سوف يأكلها الذئب وينعق في خرائبها الغراب سيحكم في شوارعها الغريب برحيله خسرت القدس فارسها وأميرها الذي كان دوماً يقف معها لمواجهة مشاريع دولة الإحتلال على سرقة الأراضي وترحيلهم وكسر إرادة الفلسطينيين.

في عهد القائد فيصل الحسيني التي مرت أمس الذكرى السنوية الـ 22 لرحيل بشكل قائد جامع وموحد للطيف السياسي والوطني والمجتمعي الفلسطيني في المدينة، و امتلك " كاريزما" قيادية مكنته من لعب هذا الدور القيادي، عبر التواصل مع الجماهير والوقوف على همومها ومشاكلها اليومية، والسعي الى حلها...ولكن حتى تكون المقاربة القيادية عادلة، فلا بد من القول بأن الراحل الكبير فيصل الحسيني، توفرت له مجموعة من العوامل والظروف، سمحت له أن يلعب ويمارس دوره القيادي هذا، فهناك المقر "بيت الشرق"، وهناك الإمكانيات، وهناك القوى والجماهير الملتفة حوله، ولم يكن "جين" الانقسام قد ضرب الساحة الفلسطينية، وكذلك كان  مقر" بيت الشرق"، المقر السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، والذي يتمتع بنوع ما من الحصانة، وهذا سهل العمل والتواصل بين القيادة والجماهير، ولكن  من بعد اجهاض الانتفاضة الأولى، والاستثمار السياسي المتسرع لنتائجها، وتوقيع اتفاق أوسلو الكارثي، والذي رفضت دولة الكيان، على الرغم من كل مثالبه وعيوبه وتداعياته الخطيرة تطبيقه، ولتأتي الانتفاضة الثانية، وشن شارون في أيلول /2000،حرب شاملة على شعبنا الفلسطيني ،"السور الواقي"، وما سيتبعها من اغلاق المؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك " بيت الشرق" ،كمقر لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن بعد ذلك تشكلت للقدس العديد من المرجعيات الرسمية ،وزارة شؤون القدس بمحافظة مؤتمر وطني شعبي وحدة الرئاسة في مكتب الرئيس مسؤول القدس في اللجنة التنفيذية للمنظمة...كل هذا الأجسام الرسمية لم يسمح لها بأن تعمل أو تمارس سلطتها وسيادتها ودورها داخل حدود جدار الفصل العنصري في القدس بل سعت وعملت حكومة الكيان وأجهزة مخابراتها، على معاقبة كل من حاول أن يمارس عمل او دور او نشاط للسلطة أو باسمها في مدينة القدس- داخل جدار الفصل العنصري وهناك من يقود تلك المرجعيات من تكيف مع سياسة دولة الكيان وهناك من تمرد على تلك السياسة وتعرض لسلسلة من العقوبات وحتى لا يتصيد البعض ويحمل الكلام معاني ومقاصد  معينة نحن لا نشكك  في انتماء أحد أو وطنيته.

كم نحن بحاجة في فلسطين لمراجعة حياة فيصل الحسيني ولا أقل منها تداعيات رحيله وذلك ليس فقط إكراما منا لسيرته اللافتة ودوره المميز في بناء القدس الفلسطينية العصرية واهتمامه في صياغة الهوية المقدسية الواحدة الحرة بل كي نستفيد وتستفيد المدينة من تجاربه و إرثه النضالي في استعادة مكانتها وفي ترميم لحمة مجتمعها الذي بات يعاني في غياب قيادة مؤهلة وقادرة على صد الاختراقات الاسرائيلية الحاصلة على عدة جبهات في حياة أهل المدينة من فقدان المناعة الوطنية والتشظي والانحرافات على أنواعها.

نحن نعرف كيف تتذكر بعض الشعوب تواريخ قادتها وكيف تحفظ المدن الكبيرة سيَر من حافظوا على أسوارها وعلى ينابيعها و أبوا أن تبقى مياهها رقراقة صافية أما في فلسطين فأنا أخشى أن البعض وتحديدا في القدس لا يعرفون كيف يحمون ذكرى من زرع «القافات» في صدر التاريخ كي تبقى مدينته/هم «قدسا» مضيئة ومشرفة في سماء الغرب والمشرق ولا يصونون ود من كان يدفع بصدره ترسا كي لا تصاب (عذاراهم) بضيم من مغتصب وكي لا يقطع سيف جلاد جديلة(المريمية) في القدس هكذا هي الدنيا وعلى ما يبدو كما في سائر حواضر العرب الوفاء هو قيمة سائلة لها تاريخ نفاذ مثل سائر السلع وعند البعض قد يصير الوفاء في أحسن الأحوال استعارة جميلة معلقة على صدر بيت شعر أو على عجزه وساكن في الأطلال أو في حكاية وحكاية السموأل بن عادياء.

اثنين وعشرون عاما مرت على رحيل من كانت القدس معبودته وكان هو حارسها الأمين، مرت من دون أن تُسمِع المدينة تنهيدة شوق أو تهليلة وجع. تمر الذكرى والقدس في غيبوبة والناس في عجقة أو نعاس وكأنها نهاية العالم لا يوجد في شوارع المدينة أي شعار أو لافتة أو صورة تذكر برحيل فيصل الحسيني وكأن المدينة لم تنم على جفونه دهرا وعمرا حتى السرو على حواف الطرقات كان كسولا يحاول أن يتفاهم مع الغبار على اقتسام الريح والندى هكذا كان يردد علنا قيادة بلا بناية أفضل من قيادة بلا شعب فالشعب الذي تقدمه فيصل بصدره هو الذي حمى بيت الشرق الذي كان قلب القدس وعنوان فلسطين السياسي في تلك السنوات تلك كانت القدس التي ساندت فيصل في زمنها الذهبي .

في الذكرى الـ22 لرحيل أمير القدس فيصل الحسيني
لروحك السلام والرحمة والخلود.

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار