هروب نتنياهو للامام
25 سبتمبر, 2023 07:39 صباحاًنبض الحياة
رام الله -عادة قادة دول العالم عندما يلقون كلماتهم أمام المنابر الأممية وخاصة منبر الجمعية العامة يتوقفون أمام الملفات والقضايا الداخلية والخارجية، التي تواجه بلدانهم، لوضع مندوبي الدول في صورة التطورات السنوية الجارية، ولحث الهيئة الدولية الأولى على الاسهام بدورها تجاه أية قضايا تحتاج للتدخل الاممي، او لكشف ما تتعرض له الدولة المعنية من إجحاف، او تطاول عليها، وعلى حقوقها من دول الجوار او الإقليم، او لعرض رؤيتها للحلول الواجبة لعلاج المشاكل المختلفة، او للدفاع عن حقوقها ووجهة نظرها فيما اتخذته من إجراءات ضد الاخرين، او لتفنيد مزاعم المعارضة الداخلية او الخارجية او لقلب الحقائق، والترويج لبضاعة فاسدة وتضليل الرأي العام العالمي لتبرير إنتهاكاتها وجرائمها، كما يفعل رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عادة، وأخرها خطاب نتنياهو يوم الجمعة الماضي (21/9/2023)، الذي خلا من الحقائق وقلبها رأسا على عقب، وعكس منطق الحركة الصهيونية التاريخي، القائم على التزوير والتضليل، والتجني على الشعب العربي الفلسطيني الخاضع للاستعمار الاجلائي الاحلالي الصهيوني منذ (75) عاما خلت.
ولم يقتصر الامر عند حدود قلب حقائق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا حتى في الملفات الإقليمية الأخرى، وانما غيب كليا واقع الصراع الإسرائيلي الداخلي منذ بداية العام الحالي وللاسبوع ال(38) على التوالي، ولم يأت من قريب او بعيد على الازمة العميقة التي تعيشها دولة التطهير العرقي، وأغمض عينيه عن أخطر أزمة تعيشها إسرائيل منذ نشوئها وتوجت بسياسات حكومته الاجرامية، المنقلبة على القضاء بمعاييرها الاستعمارية، وعلى استقوائها على بقايا الليبرالية الاسرائيلية، وفرض سياسة تكميم الافواه، وأخذ القانون بيد السلطة التنفيذية، واستباحة حقوق ما يزيد على نصف المجتمع الإسرائيلي. أضف الى ان رئيس الحكومة الأكثر تطرفا وتغولا أراد التستر والتلفح بغربال ممزق لتغطية عورات دولته الكولونيالية المارقة والخارجة على القانون، وليوحي للعالم ان المجتمع الإسرائيلي يعيش في وضع "مستقر" و "طبيعي"، وكأن ما يجري أسبوعيا من مظاهرات واعتصامات وتمردات داخل كل مؤسسات المجتمع الإسرائيلي بما في ذلك المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ليس ذات شأن، ولا تعدو اكثر من "طيش ومراهقة" المعارضة الداخلية!
والاهم هنا، ان التعتيم النتنياهوي على الازمة العاصفة في دولة اسبارطة يعود لخشيته من فضح المستور من ممارسات وانتهاكات حكومة الترويكا المنفلتة من عقال القانون الإسرائيلي نفسه، ومن القانون الدولي الإنساني والمعاهدات والمواثيق الدولية، ليس ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967 فقط، وانما ضد أبناء الشعب الفلسطيني من حملة الجنسية الإسرائيلية في الجليل والمثلث والنق والمدن المختلطة، الذين يتعرضون لعمليات قتل مجنونة يومية، ولإرهاب حكومة نتنياهو السادسة المعلن، والمترجم عبر سياسات الفصل العنصري تجاههم، ولحرمانهم من ابسط حقوقهم السياسية والقانونية والاقتصادية والبيئية والثقافية التربوية. لان الانقلاب على القضاء الإسرائيلي المشوه اصلا، يعني سحب البساط من تحت بقايا وفتات اللمسة الديمقراطية الليبرالية، التي تسمح لهم أحيانا الدفاع عن بعض ما لديهم من حقوق.
وهذا يشير بوضوح، الى ان الانقلاب القضائي الذي يقوده الائتلاف الفاشي الحاكم بقيادة صاحب الخطاب المفبرك يستهدف اول ما يستهدف أبناء الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين التاريخية من البحر الى النهر. لانه يريد الإفلات من اية قيود يمكن ان تعطل عملية التطهير الواسعة لابناء الشعب الفلسطيني من القدس العاصمة الأبدية، ومن الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، ومن عموم الضفة الفلسطينية ليحقق شعار الحركة الصهيونية المركزي "ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض" و"ارض الميعاد" وغيرها من الشعارات وقوانين أساس الدولة الإسرائيلية، وخاصة "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" الصادر في 19 تموز/ يوليو 2018، الذي نفى أي حق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني على ارض وطنه الام فلسطين، وحصره بالإسرائيليين الصهاينة فقط.
كما انه لم يشأ التعرض للازمة الداخلية الأخطر في تاريخ دولته اللقيطة، خشية البحث في الأسباب، والتي تعود لعاملين أساسيين: الأول خاصية تناقضات دولة المشروع الكولونيالي الصهيوني المشوهة، واللا طبيعية؛ الثاني عدم قابلية دولة المرتزقة الصهيونية التعايش مع فكرة السلام من حيث المبدأ مهما كانت محددة ومتواضعة. لان هدفها ودورها الوظيفي إبادة ونفي الشعب الاصلاني، وليس التعايش، او عقد صلح معه، حتى لو كانت اتفاقية أوسلو على هشاشتها. لهذا هرب نتنياهو للامام، وأغمض عينيه، وحاول ان يضع خرقة سوداء على عيون العالم عن ازمة دولته الايلة للسقوط.
[email protected]
[email protected]