رفض اللقاء وصلابة الموقف
05 مايو, 2024 01:03 مساءًنبض الحياة
رام الله - في معادلات الصراع ليس بالضرورة على الأطراف الوطنية والقومية تجاهل مواقف القوى العظمى، التي تستبيح أهدافها ومصالحها، رغم اختلال موازين القوى لصالح القوى النافذة والمهيمنة في القرار الدولي وذات الصلة بالصراع هنا او هناك. لإن حماية المصالح الوطنية تحتم الانشداد لبوصلة الأهداف، ورفض سياسة ومنطق غطرسة وجبروت تلك القوى المنافي لأبسط معايير القانون الدولي.
ولم تكن يوما موازين القوى المختلة لصالح القوى الإقليمية والدولية عائقا أمام الدفاع عن الأهداف والثوابت الوطنية، بل العكس صحيح، كون القوى المناضلة من اجل حقوق ومصالح شعوبها شقت طريق الكفاح، وهي تدرك إدراكا عميقا أن خوضها غمار الصراع انبثق من رحم المعادلة غير الراجحة لكفتها، وهو ما يفرض عليها التصدي لبلطجة قوى الأعداء، وتصويب مسار العملية السياسية بما يخدم تحقيق أهدافها.
ولنا في التجربة الفلسطينية نماذج عديدة من المواجهة مع العدو الصهيو أميركي، ومنها الصدام مع إدارة ترامب السابقة بعدما اعلن الرئيس الأميركي السابق عن صفقة القرن، واعترافه بالقدس العاصمة الفلسطينية الأبدية، عاصمة لدولة إسرائيل اللقيطة في 6 ديسمبر 2017، وتم قطع العلاقة مع ممثلي تلك الإدارة، وكان لذلك أثر إيجابي في حماية الثوابت الفلسطينية الى ان جاءت الإدارة الديمقراطية برئاسة بايدن، التي أعلنت شكليا رفض الصفقة، وأكدت في حملة الرئاسة الانتخابية وبعد فوزه (بايدن) عن نيته بتصويب المسار من خلال إعادة فتح القنصلية الاميركية في القدس، وفتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن والتمسك بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967 وغيرها من المواقف الإيجابية، والتي تبين باليقين القاطع انها مناورة، ومحاولة التفافية على قيادة منظمة التحرير، وواصلت تطبيق محددات الصفقة المشؤومة عبر تنفيذها سياسة التطبيع المجانية بين إسرائيل والدول العربية فيما يسمى "السلام الابراهيمي" على حساب المصالح الوطنية.
ومجددا قام الرئيس محمود عباس برفض اللقاء مع وزير خارجية اميركا في الرياض على هامش مؤتمر المنتدى الاقتصادي الدولي في الرياض الأسبوع الماضي في اعقاب استخدام الإدارة الأميركية حق النقض "الفيتو" ضد رفع مكانة فلسطين لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة في 18 ابريل الماضي. كما رفض استقباله في رام الله يوم الأربعاء الماضي الأول من مايو الحالي. لأن الإدارة نكثت بكل الوعود، ولم تنفذ أي مما أعلنته من مواقف، أضف الى انها، هي من قاد حرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني بعد 7 أكتوبر 2023، والانحياز الكلي لدولة إسرائيل النازية، ولم تحاول ارسال إشارة إيجابية واحدة للقيادة الفلسطينية على الأقل بشأن رفع مكانة دولة فلسطين لعضو كامل في الأمم المتحدة، بل تمادت في نهجها العدائي للحقوق والثوابت الوطنية وبشكل سافر، ومارست الضغوط على القيادة عموما وشخص الرئيس أبو مازن لعدم التوجه لمجلس الامن او أي من المنابر الدولية لحماية الأهداف الوطنية وملاحقة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين امام المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب، وتمارس الضغوط على قضاة محكمة العدل الدولية للحؤول دون اتهام الدولة العبرية بارتكاب حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، مما أستوجب من الرئيس عباس شخصيا والقيادة الفلسطينية الرد المناسب عليها.
ولم يكن رفض اللقاء نزوة انفعالية، او رد فعل آني على استخدام المندوبة الأميركية في مجلس الامن الدولي حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار الجزائري باسم المجموعة العربية، وانما هو انعكاس لقراءة فلسطينية متأنية ومسؤولة لنهج الإدارات الأميركية المتعاقبة، وللتأكيد لواشنطن ان منظمة التحرير الفلسطينية ليست أداة من ادواتها، ولا رهينة سياساتها العمياء المعادية للحقوق والمصالح الفلسطينية العليا، كما ان الحرص الفلسطيني على فتح نافذة للعلاقة مع البيت الأبيض كان لإعطاء فرصة جديدة لإعادة الإدارة النظر في سياساتها، بيد انها لم تخرج عن نهج الدولة الأميركية العميقة، لا بل كشفت حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني لليوم 212 للحرب الاجرامية بقيادة إدارة بايدن عن كونها العدو الرئيس، وحامية حمى إسرائيل المارقة والخارجة على القانون.
وعليه فإن رفض اللقاء مع رئيس الديبلوماسية الأميركية يعكس صلابة الموقف الفلسطيني، وإصرارا على مواجهة التحديات، ولم ولن تثنيها أية تهديدات او إجراءات وانتهاكات وجرائم حرب صهيو أميركية، وإذا فهم البعض تدوير الزوايا في العلاقة مع واشنطن، بانه "تناغم" او "تساوق" معها يكون مخطئا وغبيا. لأن هناك فرقا بين إدارة الصراع والمناورة التكتيكية، وبين التمسك بالأهداف والثوابت الوطنية والرؤية الاستراتيجية الفلسطينية.
[email protected]
[email protected]