دلالة وقيمة الرأي الاستشاري
21 يوليو, 2024 12:47 مساءًنبض الحياة
رام الله - كثير من المراقبين السياسيين والإعلاميين وحتى من عامة الشعب الفلسطيني يتساءلون، ما قيمة الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية؟ هل سيضيف جديدا للكم الهائل من قرارات الشرعية الدولية، التي تجاوزت ال1000 قرارا؟ الم تستبيح الولايات المتحدة الأميركية واداتها الوظيفية إسرائيل النازية كل القرارات الأممية، ورفضت مجرد الاصغاء لصوت العقل والسلام، وأدارت الظهر لعملية السلام عموما وخيار حل الدولتين؟ وألم تصوت الكنيست عشية صدور الرأي الاستشاري على قرار رفض الاعتراف بدولة فلسطينية ما بين النهر والبحر؟ والم تنفي حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في يوليو 2018، عندما أكد ما يسمى قانون "القومية الأساس للدولة اليهودية" على حصر حق تقرير المصير على ارض فلسطين التاريخية لليهود الصهاينة فقط؟ ومن سيرغم إسرائيل المارقة والخارجة على القانون قبول الرأي الاستشاري؟ والم يهاجم زعماءها من الموالاة والمعارضة محكمة العدل الدولية، واعتبروها "معادية للسامية"، وأنها "تنكرت لحق الصهاينة التاريخي في وطنهم"، كما ادعى نتنياهو وغيره من الزمر الصهيونية النازية؟
وهناك أسئلة عديدة يمكن إثارتها حول مدى جدوى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وهي تساؤلات من حيث المبدأ مشروعة. لا سيما وان هناك غطرسة وبلطجة واستباحة واستعلاء إسرائيلي أميركي على هيئة الأمم المتحدة وهيئاتها القيادية الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن ومجلس حقوق الانسان وغيرها من المنظمات الدولية، رغم توقيعها على ميثاق الأمم المتحدة والعديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
مع ذلك من الضروري التمييز بين شروط الزمان والمكان والعوامل السياسية والأمنية والقانونية لصدور القرارات الأممية المختلفة ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي في السابق، وصدور الرأي الاستشاري وعيره من القرارات الأممية في زمن حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، مثلا لنأخذ قرار الجمعية العامة 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947، والقرار 194 الدولي، اللذين تعهد آنذاك وزير خارجية إسرائيل، موشيه شاريت على تنفيذهما، لكن شيئا لم يحدث، لماذا؟ لإن العالم بكتلتيه الرأسمالية والاشتراكية، اللتان شكلتا قطبي العالم بعد الحرب العالمية الثانية، انحازا لإسرائيل، وعن سابق تصميم وإصرار تم طمس تنفيذ الشق الثاني من قرار التقسيم المتعلقة بالشعب العربي الفلسطيني، وحولوا القضية الفلسطينية الى قضية إنسانية فقط، وأنشأوا "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين / الاونروا"، وشرعوا في تنفيذ مؤامرات توطين الفلسطينيين في دول الشتات منذ عام 1949 و1953 وما اعقبها من مخططات تآمرية على هذا الصعيد. ورغم التحولات الإيجابية بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965، وما ترافق مع ذلك من قرارات أممية هامة، الا أن موازين القوى العالمية لم يسمح بتطبيق أي قرار، وحدث ولا حرج بعد هيمنة الولايات المتحدة على سدة عرش العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية مطلع تسعينيات القرن الماضي، وباتت القطب الوحيد المقرر في السياسة الدولية.
الان الشروط مختلفة من حيث: كسر واسقاط مؤامرات التوطين؛ تعزيز مكانة القضية الفلسطينية كقضية سياسية اولى، واعتراف العالم بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطينية، واعتراف غالبية دول العالم بدولة فلسطين؛ وإقرار المنظومة الأممية والاقطاب ودول العالم بما فيهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بضرورة تكريس عملية السلام من خلال حل الدولتين على حدود ال4 من يونيو 1967؛ فشل إسرائيل ومن خلفها اميركا في تحقيق أي من اهداف حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني طيلة الشهور العشرة الماضية باستثناء توسيع وتعميق عمليات القتل والابادة للأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير معالم الحياة في قطاع غزة؛ وقوف إسرائيل لأول مرة في تاريخ الصراع كدولة مارقة وخارجة على القانون امام محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنائية الدولية، والتحول النوعي في الرأي العام العالمي لصالح دعم الحقوق الوطنية الفلسطينية وغيرها من المعطيات السياسية والقانونية.
كما ان الرأي الاستشاري فتح الأفق أمام عودة طرح تنفيذ القرار الاممي 181، وتأمين عودة اللاجئين لديارهم التي طردوا منها، وتعويضهم عن الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بهم طيلة العقود الماضية؛ أضف الى ما حمله الراي الاستشاري من انصاف تاريخي للحقوق والثوابت الفلسطينية، وأيضا سحب الحصانة السياسية والقانونية عن دولة إسرائيل، وجب كل قراراتها وقوانينها العنصرية والمعادية للسلام والتعايش، واسقطها في مزبلة التاريخ، وكشف عار إسرائيل، بالإضافة الى ان الرأي الاستشاري شكل الأرضية الصلبة لملاحقة قادة إسرائيل والمتورطين معها ومن يدعمها بالسلاح والمال والاسانيد الكاذبة لروايتها في حرب الإبادة الجماعية من دول العالم وخاصة الولايات المتحدة، وإصدار الاحكام والتدابير من محكمة العدل الدولية، التي طالبت إسرائيل بوقف حرب الابادة الجماعية. وبالتالي يعتبر الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بمثابة محطة تاريخية نوعية في مسار صعود القضية الفلسطينية الى المكانة التي تستحقها، ووضع قواعد ارتكاز لسلسلة من الملاحقات للدولة الاستعمارية الإسرائيلية وقادتها في المنابر والهيئات الأممية المختلفة، التي طالبها الرأي الاستشاري بإعادة النظر في الاليات التي اتبعتها سابقا مع إسرائيل، بهدف الزامها بالانسحاب من الوطن الفلسطيني، وسحب مستوطنيها من المستعمرات الإسرائيلية كافة بما في ذلك من القدس العاصمة الأبدية لفلسطين المحتلة، واعتبرها دولة ترقى الى العنصرية والتمييز العرقي. وهناك الكثير من الإيجابيات الهامة والكيفية لصالح الشعب الفلسطيني واهدافه وثوابته الوطنية، التي يمكن تدوينها لاحقا.
اذاً واجب قيادة منظمة التحرير وحكومتها ومؤسساتها وضع الخطط الواجبة لملاحقة ومحاصرة دولة إسرائيل وقياداتها في المنابر الدولية المختلفة وخاصة الجمعية العامة ومجلس الامن ومجلس حقوق الانسان، والعمل على تعميق عزلتها إقليميا ودوليا.
وهنا تملي الضرورة انصاف قيادة المنظمة وحكومتها وخاصة الرئيس محمد عباس على الجهود الكبيرة والمتميزة لإنجاز ما أنجزته من قرارات اممية، منها الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وهذا بحد ذاته رد مفحم لكل الابواق التي حاولت استهدافها والنيل من دورها الريادي في الدفاع عن الحقوق والاهداف الوطنية.
[email protected]
[email protected]