بعد الفضائح الكروية المدوية… كيف ينجو أنشيلوتي من مقصلة الإقالة؟

10 نوفمبر, 2024 11:44 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

رام الله - كان الاعتقاد السائد في بداية الموسم، أن ريال مدريد سيكتسح الأبيض واليابس بعد وصول المدمر الفرنسي كيليان مبابي، بالطريقة التي أرادها الرئيس فلورنتينو بيريز، بالحصول على توقيعه بموجب قانون بوسمان بعد انتهاء عقده مع ناديه السابق باريس سان جيرمان الفرنسي، لكن على أرض الواقع، تحولت أحلام وطموحات عشاق الميرينغي إلى كوابيس أقل ما يُقال عنها «مفزعة»، آخرها الفضيحة الكروية المسيئة لسمعة الكيان على المستوى القاري، بالانحناء أمام ميلان الإيطالي بنتيجة 1-3 في قمة مرحلة «الدوري المجمع» لدوري أبطال أوروبا، التي احتضنها ملعب «سانتياغو بيرنابيو» مساء الثلاثاء الماضي في العاصمة الاسبانية مدريد، وسبقها بعشرة أيام على نفس الملعب، تعرض الفريق لفضيحة كروية أخرى أكثر إحراجا وإذلالا على يد العدو الأزلي المحلي برشلونة، في مباراة كلاسيكو الجولة الحادية عشرة للدوري الإسباني، التي حسمها البلو غرانا برباعية نكراء كانت قابلة للضعفين على أقل تقدير، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الصحف والمواقع الرياضية، بما في ذلك ما يُعرف بالمحيط أو الذراع الإعلامي «الأبيض» المقرب من مكاتب القرش الملكي وأعوانه في مجلس الإدارة، لبدء حملات التشكيك في قدرة المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، على إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، بل من دون مبالغة، هناك مصادر تتحدث عن وصول الميستر كارليتو إلى مرحلة «الإفلاس» الكروي مع الفريق، استنادا إلى النسخة المتواضعة للغاية التي يبدو عليها الفريق منذ بداية الموسم بوجه عام، وفي أول اختبارين حقيقيين على المستوى المحلي والقاري أمام البارسا وشياطين الروزونيري، والسؤال الذي يفرض نفسه في الأيام والساعات القليلة الماضية: كيف هبط ريال مدريد من القمة في نهاية الموسم الماضي إلى قاع الحضيض الكروي حاليا؟ وما هي الأسباب الجوهرية وراء هذا التفاوت الصادم لعالم الساحرة المستديرة قبل مئات الملايين من عشاق النادي في كل أرجاء المعمورة؟ دعونا نستكشف معا هذا اللغز والحلول الجذرية لهذه المشاكل التي بدأت تهدد مستقبل المدرب القيدوم أكثر من أي وقت مضى منذ بداية ولايته الثانية في العام 2021.

صدمة مبابي

يرى بعض النقاد والمتابعين، أن المدرب كارلو أنشيلوتي، جانبه التوفيق في طريقة تحضير وتأهيل مبابي، قبل الدفع به بصفة أساسية من دون أن يخل بالخطوط العريضة في الثلث الأخير من الملعب، وترتكز وجهة النظر هذه، على حقيقة يصعب الجدال عليها، وتكمن في تأخر المدمر الفرنسي في الانضمام إلى معسكر الاستعداد للموسم الجديد، حتى أنه لم يرافق رفاقه الجدد في الجولة الأمريكية. فقط اكتفى ببعض التمارين الجماعية بعد عودة الفريق من الولايات المتحدة، ليحصل على فرصة المشاركة في التشكيل الأساسي في أول اختبار رسمي هذا الموسم ضد أتالانتا الإيطالي، في مباراة الكأس السوبر الأوروبية التي انتهت بثنائية فيدريكو فالفيردي ومبابي، ورغم أنها كانت فرصة ولا أروع أمام الوافد الجديد لتقديم الإضافة المطلوبة منه في هجوم اللو بلانكوس، إلا أنه عانى بعد ذلك الأمرين لاستيعاب دوره والمطلوب منه في الثلث الأخير من الملعب برفقة الثنائي البرازيلي فينيسيوس جونيور وردريغو غوس، الى درجة أنه احتاج الى أكثر من 300 دقيقة لعب من أجل افتتاح شريط أهدافه في حملة الدفاع عن لقب الليغا في شباك ريال بيتيس في ختام الأسبوع الرابع، ولو أنه بلغة الأرقام والإحصائيات، سنلاحظ أنه لا يواجه مشاكل في التعامل مع الفرص أمام الشباك، بنجاحه في المساهمة في تسجيل ما مجموعه عشرة أهداف من مشاركته في 15 مباراة، منها ثمانية أهداف من توقيعه بالإضافة إلى تمريرتين حاسمتين، لكن الشيء الملاحظ، أن هناك شعوراً سائدا بأن «الغالاكتيكو» صاحب القميص رقم 9، لم يُقدم أفضل ما لديه، أو في أضعف الإيمان لم يظهر النسخة الهوليوودية المحفورة في الأذهان عنه في سنوات ذروته بقميص أثرياء عاصمة الموضة والنور، في فترة ما بعد التتويج بكأس العالم 2018 مع منتخب فرنسا، قبل أن يُصاب بمتلازمة «جنون العظمة» في سنواته الأخيرة في «حديقة الأمراء»، من مشروع وريث لا غبار عليه لكريستيانو رونالدو وليونيل ميسي في المستقبل، إلى مهاجم يعيش على أطلال الماضي، بتوقف صادم عن إظهار أي تطور ملموس في أسلوبه أو طريقة انطلاقه بالكرة أو بدونها في الرواق الأيسر، معتمدا في المقام الأول على سرعته الجنونية بالوصول إلى أقصى سرعة من الخطوة الأولى.
لكن من الواضح، أنه بدأ يفقد هذه الميزة السحرية بعد وصوله إلى القمة مع الديوك في مونديال قطر 2022، ربما لتأثره بكثرة الإصابات التي أبعدته عن الملاعب لفترات ليست بالقصيرة، وربما للتغير الكبير في كتلته العضلية، بظهوره الآن بالقميص الأبيض، أكثر ضخامة على مستوى العضلات، بالصورة المحفورة في الأذهان عنه، كشاب رشيق وخفيف الحركة، والدليل على ذلك، اختفاء نسخة مبابي العداء، الذي كان يُقارن بأسطورة الأولمبياد يوسين بولت حتى وقت قريب. والأكثر تعقيدا، أنه لم يتأقلم بعد مع فينيسوس جونيور، باحتلال مثير للريبة لمساحة زميله البرازيلي في الجهة اليسرى، متسببا في ذاك الزحام السلبي في الجبهة، أو بالأحرى تسبب في تحول هذه الجبهة من مصدر قوة ومفتاح سحري لاستكشاف مرمى الخصوم حتى نهاية الموسم الماضي، إلى نقطة ضعف وكتاب مفتوح بالنسبة للمنافسين، الذين يتفننون في غلق المساحات أمام كيليان ورفاقه، وسط علامات استفهام بالجملة عن الطريقة الانهزامية التي يلعب بها الوافد الجديد، تارة باستسلامه للأمر الواقع كلما فقد الكرة، وتارة أخرى بعدم المشاركة في لحظات الضغط العالي من الأمام، كأن هناك اتفاقا بينه وبين المدرب على عدم القيام بأي دور دفاعي، لذا هناك حالة من الإجماع، على أن مبابي ما زال بحاجة الى كثير من العمل لتقديم الدور أو الإضافة المطلوبة منه داخل المستطيل الأخضر، وهذا الأمر في حد ذاته، أثر بشكل سلبي على توازن الفريق بوجه عام، وعلى النجاعة والفعالية الهجومية بوجه خاص.

انطفاء بيلينغهام

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، كان الفتى الإنكليزي جود بيلينغهام، يُحمل على الأعناق، وهو يبدع في دوره المركب تحت قيادة الميستر كارليتو، كلاعب رقم (8) بمواصفات نسخة هاربة من زمن زين الدين زيدان وريكاردو كاكا وخوان رومان ريكيلمي، وباقي المبدعين في مركز رقم (10)، ولعل الجمهور المدريدي يتذكر جيدا أهدافه الحاسمة في فترة إصابة فينيسوس في الربع الأول من الموسم الماضي، والتي ساهمت في احتفاظ الفريق بصدارة الليغا حتى إشعار آخر، بجانب مساهمته في تجاوز دور المجموعات بأقل مجهود، قبل أن يتحول إلى العقل المفكر والمدبر للفريق في أوقات الحسم، بتقمصه دور البطل المساعد أو رأس المثلث المقلوب مع فيني وردريغو طيلة النصف الثاني من موسم كأس دوري الأبطال الخامسة عشرة، بينما الآن، يظهر بصورة مختلفة تماما عن مستواه الموسم الماضي، متأثرا بشكل سلبي في التعديل الكبير في دوره داخل الملعب، بتثبيته في مركز رقم (8)، أملا في ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول تعويض الأسطورة توني كروس، والثاني ترك المساحة اللازمة لمبابي في آخر 25 مترا في الملعب، لكن على أرض الواقع، لم يعد لبيلي أي تواجد أو تأثير داخل مربع العمليات، يكفي أنه لم يتمكن من تسجيل أي هدف حتى وقت كتابة هذه الكلمات، وهذا يفسر أسباب الخلل الكبير في الهجوم المدريدي هذا الموسم، بافتقاد لمسة الدولي الإنكليزي الإبداعية على حدود منطقة الجزاء، التي كانت سببا في انفجار موهبة فينيسيوس أكثر من أي وقت مضى، وبدرجة أقل مواطنه البرازيلي، والحل؟ أن يجد المدرب الإيطالي طريقة ما لإعادة بيلينغهام إلى مركزه الذي اعتاد عليه، كلاعب جوكر بين الخطوط، لاستغلال حاسته التهديفية داخل منطقة الجزاء، وأيضا حلوله الإبداعية وجماعيته مع زميليه المهاجمين، وهذه الحرية لن يجدها صاحب الـ21 عاما، طالما لم يغير المدرب قناعاته بشأن الاعتماد على الثلاثي رودريغو وفينيسيوس ومبابي، أو بالأحرى إذا لم يفاضل بين اثنين من الثلاثي الهجومي، نظير إعادة التوازن لوسط الملعب واستعادة بريق بيلينغهام ولحظاته الفردية العبقرية في الثلث الأخير من الملعب.

جزر منعزلة

بينما تتسابق الصحف والمؤسسات الإعلامية في توجيه الانتقادات لخط هجوم ريال مدريد، تظهر النتائج والمواقف على أرض الواقع، أن خط دفاع الريال، يمثل الحلقة الأضعف في فريق المدرب أنشيلوتي، وهذا يرجع في المقام الأول، لقرار مجلس إدارة النادي، بالاكتفاء بالأسماء المتاحة على مستوى محور خط الدفاع، حتى بعد تجدد إصابة ديفيد آلابا على مستوى الرباط الصليبي للركبة اليسرى، لتأتي العواقب الوخيمة، بتحول الدفاع الأبيض إلى منطقة مستباحة بالنسبة للخصوم، وصلت الى حد استقبال 18 هدفا في 15 مباراة، أغلبها أهداف من أخطاء فردية تندرج تحت مسمى «ساذجة»، على مستوى التمركز والمراقبة، خصوصا من العائد من الإصابة إيدير ميلياتو، الذي يبصم على واحد من أقل مواسمه منذ قدومه من بورتو، وبالمثل لا يعيش الألماني أنطونيو روديغر، أفضل أوقاته مع الفريق. أما الضاربة القاضية، فجاءت بعد الإصابة المروعة التي تعرض لها القائد داني كاربخال، منها افتقد الفريق قلبه النابض في كل متر في الجهة اليمنى، ومنها أصبح مركز الظهير الأيمن، نقطة الضعف الأكثر وضوحا في الفريق، بتلك الطريقة التي جعلت جناح ميلان رافائيل لياو، يوزع هذا الكم الهائل من الهدايا الثمينة على رفاقه في أمسية الثلاثاء الماضي. حتى أن الحارس تيبو كورتوا، لم يسلم هو الآخر من لعنة الإصابة، شأنه شأن الكثير من الأسماء في مختلف المراكز التي عانت وما زالت تعاني من توابع الانتكاسة، ما تسبب بشكل أو بآخر في خلط أوراق وحسابات المدرب، إلى أن وصل الحال بالريال، إلى ما هو أشبه بالجزر المنعزلة، بسبب التباعد الكبير بين خطوطه الثلاثة، الذي سهل مهمة اختراق الدفاع في آخر مباراتين، بجانب التأثير الكبير لاعتزال توني كروس، فقدان لمسة اللاعب المهندس والمسيطر على كل متر في دائرة المنتصف، في ظل تشابه أدوار الثلاثي إدواردو كامافينغا، وتشواميني وفيد فالفيردي بجانب تقدم مودريتش في العمر، فهل يا ترى سينجح أنشيلوتي في حل هذه المشاكل قبل فوات الأوان؟ أم ستصدق التوقعات الرائجة عن احتمال إقالته إذا لم تتحسن الأوضاع في المرحلة القادمة؟ دعونا ننتظر ماذا سيحدث.

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار