"وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ"!!

08 ديسمبر, 2024 09:16 صباحاً
القدس عاصمة فلسطين/ دولة فلسطين

غزة - الله جل جلاله كرم الإنسان أعظم تكريم، ونفخ فيه من روحه، وجعلهُ خليفتهُ في أرضهِ، وخلقهُ ليُعمر الكون وفق منهج رب العالمين، القائم على الشريعة الإسلامية السمحة، والعدل، والحق، والخير، وكل شيء جميل، وطيب؛ فالإنسان بُنيان الله في الأرض ملعونٌ من هدم بُنيانَهُ؛ ومن أكبر الكبائر قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق؛ وقمة الإجرام، والظلُم هو قتل إنسان مُسلم من بني جلدتك، ووطنك، بغير حق، وبمُجرد أنهُ قال رأيهُ المخالف لكم وانتقد حركتكم، أو تنظيمكم أو حزبكم، وظُلمكم!؛ فقتله جريمةٌ كبيرة، والأعظُم جُرمًا منها حينما يكون القاتل من سُفهاء الأحلام، أحداث الأسنان دَعيًا، مُدعيًا الدين، مُجرمًا يرفع شعارات دينية مثل:" الإسلام هو الحل". والإسلام بريء منه، ومن أمثاله من القتلة المجرمين الدواعش، الخوارج، براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام! ولقد جاء في الحديث الشريف في صحيح البخاري عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" إذا حَدَّثْتُكُمْ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَدِيثًا، فَواللَّهِ لَأَنْ أخِرَّ مِنَ السَّماءِ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ أكْذِبَ عليه، وإذا حَدَّثْتُكُمْ فِيما بَيْنِي وبيْنَكُمْ، فإنَّ الحَرْبَ خِدْعَةٌ، وإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمانِ، أحْداثُ الأسْنانِ، سُفَهاءُ الأحْلامِ، يقولونَ مِن خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لا يُجاوِزُ إيمانُهُمْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ، فإنَّ في قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَن قَتَلَهُمْ يَومَ القِيامَةِ"؛ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعِرْضه» (رواه مسلم)؛ وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على حُرْمة دم المسلم وماله وعِرْضِه في حجة الوداع في خطبته المشهورة يوم النحر. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوم النَّحْرِ فقال: «يا أيُّها النَّاس أيُّ يَومٍ هذا؟  -قالوا: يَوْمٌ حَرَامٌ-، قال: فأيُّ بَلدٍ هذا؟  -قالوا: بَلَدٌ حَرَام-، قال: فأيُّ شَهْرٍ هذا؟  -قالوا: شَهْرٌ حَرَام-، قال: فإنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ وأَعْرَاضَكُمْ علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، فأعادها مِرَاراً، ثُمَّ رفع رأسَه فقال: اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ. قال ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه: فوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِه، إنَّها لوَصِيَّتُهُ إلى أُمَّتِه» حُرْمَةُ الدم: مِن أعظم الذنوب بعد الشرك بالله عز وجل: قتل مسلم بغير حق قال ابن كثير في تفسيره: "لما بيّن تعالى حكم القتل الخطأ، شرع في بيان حكم القتل العمد، فقال: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"؛ وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله، حيث يقول، سبحانه، في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ"؛ والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدا" منها: وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمنُ في فُسْحَةٍ مِنْ دينه ما لَمْ يُصِبْ دَماً حراماً»؛ وعن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:  «كُلُّ ذَنْبٍ عسى الله أن يغفره، إِلَّا مَنْ مات مُشْرِكاً، أَوْ مُؤْمِنٌ قتلَ مُؤمِناً مُتَعَمِّداً»؛ قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق كبيرة من أكبر الكبائر ، ويعظم الجرم ويشتد الإثم حين تكون هذه النفس نفسا مؤمنة ، فلا شك أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله -تعالى- من حرمة الكعبة بل زوال الدنيا أهون عند الله من قتل المسلم ، وقد تواترت الأحاديث الدالة على هذا المعنى وفيها من الترهيب ما يردع من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؛ ومنها ما رواهُ البخاري في صحيحه عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة قال: فصبَّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، قال: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لي:  «يا أسامة أقتلْتَه بعدما قال لا إله إلا الله» ؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، قال: فقال: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله» ؟ قال: فمازال يُكرِّرها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)، وفي رواية مسلم: قال أسامة رضي الله عنه: (قلتُ يا رسول الله: إنما قالها خوفاً من السلاح، قال:  «أفلا شققتَ عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا»، فمازال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ). فهذا الموقف النبوي مع أسامة بن زيد رضي الله عنه فيه: دلالة واضحة على عِظم حُرمة الدم، وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله)؛ وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال ( يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش )؛ عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار)؛ وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله ﷺ يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً)؛ وخلاصة الأمر أن قتل المسلم بغير حق من كبائر الذنوب وأن حرمة دم المسلم أعظم عند الله عز وجل من هدم الكعبة المشرفة بل إن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل المسلم بغير حق.  ورغم النكبة التي يعانيها الشعب في قطاع غزة بعد نكبة السابع من أكتوبر!؛ وحرب الإبادة البشعة، والتجويع من العدو الصهيوني المجرم، قام مسلحون قتلة مُجرمين من أدعياء الدين فاغتالوا الشهيد المغدور "زياد أبو حية" الذي عرف بصرخته "أنقذونا من حماس" أثناء نزوحه قبل شهرين، وكان أبو حية قد ظهر سابقًا بفيديو  انتقد فيهِ "حماس"؛ ليقوم القتلة الوحوش البشرية الذين تجردوا من كل معاني الإنسانية بإطلاق النار على رأس "أبو حية"  أمام أطفاله الصغار في خيمة النزوح في خانيونس جنوب قطاع غزة ما أدى إلى مقتله على الفور!!؛ وهذه ليست هي الحالة الوحيدة التي يقتل فيها أبرياء بدمٍ بارد في قطاع غزة، بسبب موقفهم السياسي المعارض للظالمين، من بعض أدعياء الدين!؛ فمن يرحم الشعب المسكين بغزة، والذي يقتل ويُباد بلا رحمة من العدو الصهيوني المجرم الذي يقوم بارتكاب مجازر  إجرامية ليلاً، ونهارًا، في حرب إبادة جماعية صهيونية وحشية للسكان في قطاع غزة متواصلة منذ أكثر من عام!؛ ولم يتوقف الأمر عند إجرام العدو الصهيوني المجرم!؛ وإنما يخرج على الناس بعض القتلة من التكفيرين المجرمين فيقتلون كل من يخالفهم الرأي!؛ تحت ذرائع، وأسباب واهية يتم القتل دون رحمة أو شفقة، ويجعلون من أنفسهم الحاكم، والجلاد على الشعب، من أولئك القتلة سفاء الأحلام، حدثاء الأسنان من دواعش، وخوارج هذا الزمان من أدعياء الدين، والوطنية من الفجرة القتلة المُجرمين!؛ ولذلك يجب أن لا يتم السكوت على تلك الجرائم، ويجب أن لا تذهب دماء أولئك الأبرياء هدرًا؛ ويجب أن يتم محاسبة القتلة الفجرة، ومحاكمتهم، والقصاص منهم جزاءً وفاقًا بما اقترفت أياديهم، تطبيقًا لقول الله عز وجل: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"؛ فلا فرق بين قاتل مجرم مُحتل، وقاتل جاهل يقتل من أجل حزبهِ!؛ من مُدعى الدين، مُسرفٌ في القتل كذاب؛ من بني جلدتنا مُختلٌ؛ مُعَتلْ فلا نامت أعين القتلة الجبُناء المجرمين.
الباحث، والكاتب الصحفي، والمفكر العربي الإسلامي، والمحلل السياسي
الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر/ محمد عبد الله أبو نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
الأستاذ، والمحاضر الجامعي غير المتفرغ/ غزة ــ فلسطين
[email protected]

كلمات مفتاحية

الأخبار

فن وثقافة

المزيد من الأخبار