اميركا وفلسطين والسياسة
نشر في : 25 مايو, 2022 09:26 صباحاً

نبض الحياة 
 
رام الله -بات من نافل التذكير، ان السياسة هي فن الممكن. ورفض المنطق العدمي في التعامل مع معادلاتها وتطوراتها، وبالتالي رفض مقولة "يا ابيض او اسود"، هكذا فرز يصيب السياسة والسياسيين العاملين بها في مقتل، ويصبح عندئذ السياسي زعيما ام حزبا او دولة كمن يطلق الرصاص على قدميه. لانه يحاصر نفسه بنفسه، ويضيق الخناق على الذات، ويخدم سياسة اعدائه او خصومه مجانا ودون دفع اية اكلاف من أي نوع، ويقدم لاعدائه خدمات فائضة عن الحاجة. الامر الذي يتطلب تفادي كل موبقات واخطار التطرف والسياسات الاقصوية من خلال تدوير الزوايا، ورؤية كافة درجات الوانها بدءا من الأبيض مرورا بالرمادي والاحمر والاصفر والازرق والاخضر والبرتقالي ... الى الأسود. ولكن دون تغييب اتجاه البوصلة عن الهدف الاستراتيجي، وأيضا بعيدا عن الافراط في الواقعية والمرونة السياسية الساذجة والمبتذلة، التي تحمل في طياتها فقدان النواظم الأساسية لبلوغ الهدف. لا سيما وان التفريط هو الوجه الاخر للتعصب والاقصوية. 
وعليه فإن مقولة "فن الممكن" لا تعني ابدا تجريد الذات من الأسلحة الموجودة باليد، لا بل انها تتطلب تعزيزها، وتطويرها، وابقاءها فاعلة في ميدان الفعل والمواجهة مع الأعداء والخصوم، حتى لا يعتقدوا ان الحوار والرغبة في المساومة والإنجازات الثانوية والجزئية كافية لارضاء الذات، مما يدفعهم (الأعداء) أولا لحصر الأهداف في حدود ما حصل الطرف المظلوم؛ ثانيا تجريده من أسلحته باسم الواقعية، والرهان على دوامة حوار الطرشان، والوعود الكاذبة، فاقدة الرصيد، رغم انها تتحدث وتؤكد على الأهداف الرئيسية للصراع. 
واذا نحينا الحديث عن الجانب التجريدي العام، وولجنا دائرة الصراع، وتوقفنا امام العلاقات الأميركية الفلسطينية الثنائية، وأسباب تراجعها ومراوحتها عند مستويات دنيا، لم ترق لما كانت عليه قبل ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. ليس هذا فحسب، لا بل انها على امتداد وجودها منذ العام 1988 حتى الان، ابقتها (العلاقات الثنائية) الإدارات الأميركية المتعاقبة مرتبطة ارتباطا عميقا وفق المعايير الإسرائيلية، وبما لا يتعارض مع التحالف الاستراتيجي معها، بتعبير آخر، لم تتعامل الإدارات الأميركية مع منظمة التحرير أولا ولا مع سلطتها الوطنية ثانيا على أرضية الندية، ووفقا للمصالح الثنائية المشتركة، وبما يخدم تطورها والارتقاء بها. لا بل أبقت سيف "الإرهاب" مرفوعا على الرأس الفلسطينية، وعملت تلك الإدارات بشكل متواتر على التواطىء المعلن على المصالح والحقوق والثوابت الفلسطينية بما في ذلك، وقبل ذلك على الرواية الفلسطينية، واستخدمت وتستخدم كل اشكال الابتزاز ضد القيادة والشعب ومقاومته الشعبية، وعملت وتعمل على نزع الاظافر الفلسطينية (المقاومة الشعبية) وحتى الخطاب الوطني الإعلامي والثقافي والاكاديمي تترصده وتلاحقه بالكلمة والجملة، وبما يخدم مصالح العدو الإسرائيلي، القائم بالاستعمار على الأرض الفلسطينية، الرافض خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، ليس هذا فحسب، بل ان تلك الإدارات أعطت الضوء الأخضر مع إسرائيل المارقة والخارجة على القانون وحلفائها الاخرين من عرب وعجم في المنطقة لحركة حماس الاخوانية بالشروع بانقلابها الأسود عام 2007 على الشرعية قبل خمسة عشر عاما، ومازالت بالتعاون مع إسرائيل وادواتها في المنطقة تقوم بتغذيته، رغم كل حملات التضليل والكذب بمعاداة فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين. 
وبالتوقف امام جادة السؤال، يمكن طرح العديد منها على الإدارة الأميركية الحالية وكل أصحاب النفوذ في واشنطن من الحزبين والدولة العميقة، من يتحمل مسؤولية المراوحة في مستوى العلاقة، اميركا ام فلسطين؟ ولماذا تصر الإدارات الأميركية على وصم منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد ب"الإرهاب"؟ وعلى أي أساس؟ وما هي المعايير القانونية والسياسية والأخلاقية لهكذا اتهام؟ ولماذا تصمت الإدارات الأميركية صمت اهل الكهف عن جرائم حرب دولة التطهير العرقي الإسرائيلية؟ ولماذا تقدم لها كل أشكال الدعم المالي والاقتصادي والعسكري والقانوني، رغم كل ارهابها المنظم ضد أبناء الشعب الفلسطيني؟ وهل تخدم الولايات المتحدة بهكذا سياسة مصالحها الحيوية والاستراتيجية في المنطقة؟ وهل مازالت إسرائيل قاعدة الحركة الصهيونية في فلسطين العربية تحمي مصالح اميركا والغرب الأوروبي، ام انها باتت عبئا عليها، واستنزافا لدافع الضرائب الأميركي، وخطرا على ذاتها وعلى الشعب والمصالح الأميركية والغرب عموما والشعب العربي الفلسطيني خصوصا؟ والم يعطِ العرب اميركا ما تريد؟ والى متى يمكن للولايات المتحدة ان تواصل ذات النهج وسياسات التهميش والإساءة للقضية والحقوق الفلسطينية، وتكيل بمكيالين؟ وهل تعتقد اميركا ان الشعب الفلسطيني سيبقى اسيرا لمنطقها المقلوب واللا منطقي وغير العادل، والمنحاز بشكل آثم لصالح دولة الإرهاب المنظم الإسرائيلية المعادية للسلام؟ ولماذا لم تلزم الادارات الأميركية إسرائيل باستحقاقات السلام؟ ولماذا لا تفرض العقوبات عليها اسوة بجنوب افريقيا وغيرها من الدول؟ ولماذا لا تؤمن الحماية الدولية للشعب العربي الفلسطيني من بطش وجرائم إسرائيل؟ اما آن الآوان لواشنطن مراجعة مواقفها على الأقل عشية زيارة الرئيس بايدن للمنطقة في شأن إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وفتح ممثلية المنظمة في واشنطن، والوفاء بالتزاماتها المعلنة كتمهيد لدفع خيار السلام الممكن والمقبول على أساس خيار حل الدولتين وعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي طردوا منها عامي النكبة 1948 وعام النكسة 1967؟ 
هناك الاف الأسئلة المطروحة على القيادة الأميركية، مطلوب منها الإجابة عليها وفق معايير القانون الدولي، ودون ازدواجية المعايير البائسة والمكشوفة والمرفوضة، وقبل ان اختم مقالتي، بودي لفت نظر الجميع، وخاصة الدولة العميقة في اميركا عدم الاعتقاد للحظة بان قيادة منظمة التحرير ممكن ان تتنازل عن الحل الممكن والمقبول سياسيا، ولن ترفع الراية البيضاء مهما كانت اكلاف وتضحيات الكفاح الوطني التحرري، وقبولها بخيار السلام ليس ضعفا، ولا سذاجة وانما حرصا على حقن الدماء، وصونا للتعايش، وانقاذا لشعوب المنطقة والعالم من إرهاب الدولة الاستعمارية الإسرائيلية.  فهل تملك الإدارة الشجاعة لانصاف الشعب الفلسطيني وإنقاذ المصالح الأميركية والإسرائيلية والغربية الرأسمالية في آن؟ 
[email protected]
[email protected]