كلاسيكو «موديل 22» لم يعد يشبه الماضي
نشر في : 14 اغسطس, 2022 01:37 مساءً

تونس -عبر تاريخ الحوار المدريدي الكاتالوني في الدوري الاسباني لكرة القدم، وما تخلله من تنافس كروي داخل المستطيل الأخضر، وبُعد سياسي واجتماعي خارج أسوار الملاعب، لم يسبق لكلاسيكو الأرض بين قطبي مدريد وبرشلونة أن شهد «سطوة» كالتي مارسها الساحران كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي بين عامي 2018/2009 أي الفترة التي جمعت اللاعبين في الليغا بانضمام البرتغالي إلى ريال مدريد في 2009 قادما من مانشستر يونايتد، فيما كان الأرجنتيني ينحت مفردات الإبداع في الدوري الاسباني منذ عام 2004 بعد «تخرجه» من لاماسيا التي فرّخت قبل أعوام قليلة (تحديدا في 2000) الثلاثي المذهل المكون من بويول وتشافي وانييستا.

قد يرى البعض أن الحديث عن سطوة رونالدو وميسي على الكلاسيكو أمر مبالغ فيه وان هناك «تجنيا «على قامات كبيرة أثْرت مختلف القمم بين الفريقين وجعلت منها حدثا ليس ككل ديربيات العالم!
لا خلاف في هذا الرأي الذي يعيدنا إلى زمن جميل، زمن رومانسية الكرة وأولوية الطابع الهجومي الفرجوي في استراتيجية المدربين، لكن حين يخضع الأمر إلى الإجماع، تأتي الحصيلة مؤيدة لدور رونالدو و ميسي (بشكل غير مسبوق) في رفع قيمة الكلاسيكو إلى أعلى درجة فنية كانت أو تسويقية من حيث الاهتمام الإعلامي وشراء حقوق النقل ما رفع نسب المشاهدة إلى أرقام قياسية في تاريخ كلاسيكو الأرض.
الاجماع يقول إن رونالدو وميسي هما الأفضل في جيلهما، بل لا يتوانى كثيرون من المدربين والمتخصصين والإعلاميين في تصنيفهما ضمن الأفضل في العالم قياسا لموهبتهما الفذة التي أذهلت الملايين واستنادا إلى لغة الأرقام التي هي أبلغ من يلخص ما جادت به عبقرية النجمين الكبيرين في الملاعب من شلاّل الأهداف الذي لا يتوقف. فهما ضمن 51 لاعبا في التاريخ سجلوا أكثر من 500 هدف في مشوارهم الكروي، بل أن مجموع الأهداف مع أنديتهما وبلديهما يرتفع إلى 700 هدف ليتجاوزا بكثير «أعضاء» هذه القائمة، فضلا عن التتويجات الفردية القياسية ويكفي أن أغلاها وهي الكرة الذهبية تقاسمها النجمان 12 مرة، 7 في خزانة الارجنتيني، و 5 لغريمه البرتغالي!
كل هذا وغيره، أعطى لكلاسيكو الأرض بعدا لا مثيل له على مدى عشرية ذهبية حملت بصمة لاتينية لا تقدر بثمن.
ولأن دوام الحال من المحال كما يقول المثل فإن العشرية فقدت الضلع البرتغالي في 2018 برحيل لم يكن يدور في مخيلة أحد، باستثناء فلورنتينو بيريز الذي ترك العاطفة جانبا متسلحا بعقلية رجل الأعمال الناجح، ومقتنعا انه لم يعد في الامكان أحلى وأروع وأبدع مما كان من جانب «الدون»
والأيام أكدت صحة نظريته، فعجلة الانتصارات لم تتوقف عن الدوران عند الملكي، فقط كلاسيكو الأرض أصبح «يتيما» برحيل أحد «أبويه» ليشاطره الأحزان الملايين من الذين يتسمرون أمام الشاشات  كلما حان موعد القمة بين الريال وبرشلونة.
وإذا كان الفراق بين مدريد والأسطورة صعب الهضم عند عشاق الميرينغي، فإن الزلزال الذي هزّ كاتالونيا في 2021 استحال معه تحديد درجته على مقياس ريختر من هول ما شعر به أهلها بنهاية أعظم قصة حب في تاريخ البلوغرانا!
رونالدو في تورينو معقل يوفنتوس كوجهة أولى، وميسي في عاصمة النور، فكان السؤال البديهي: ماذا تبقى لليغا كي تستقطب الاهتمام الحد من فداحة الخسارة تسويقيا وحضورا على موائد الإعلام بمختلف وسائله؟
ما مصير الكلاسيكو الذي بات يتيم الأبوين؟
من سيعيد للقمة توهجها في غياب نجوم من طراز الأسطورتين؟
منطقيا، ليست هناك وصفة سحرية لهكذا أسئلة، فالدهر لن يجود بالأساطير بشكل ثابت، والحل يكمن في التعامل مع الكلاسيكو على أنه لن يشبه الماضي، ما يعني أن النسخ القادمة ستكون بداية عهد جديد لمواجهات قد لا تختلف من حيث المضمون، فالقمة بين الميرينغي والبلوغرانا لن تختفي فيها عناصر الحماس والاثارة والفرجة، مهما كان وضع الفريقين في ترتيب الدوري.
في هذا السياق، لعل ما يرجوه متابعو الليغا ان يحفل الكلاسيكو «موديل 22» بأكثر من حوار بين بعض النجوم الحاليين للفريقين.
بطل أوروبا الذي عزز ترسانته بأسماء واعدة ما زال محتفظا بوجهه المشرق عبر إطلالته المتميزة في كأس السوبر الأوروبية حيث رفع رصيده من الألقاب القارية والعالمية إلى 28.
أما كتيبة تشافي فهي ترفض أن يستمر البؤس في الكامب نو، وعبر خطة اقتصادية ماكرة نجح الرئيس العائد لابورتا في اختصار زمن الوجع بتعزيز الصفوف بأسماء لامعة، ليمهد لمدربه وابن البلوغرانا طريق العودة بالفريق إلى مكانه الطبيعي.
هذا المشهد يجعلنا نقف عند اسمين يمكنهما إضاءة سماء مدريد وبرشلونة، لن نذهب بعيدا لنقول إن نسختي الكلاسيكو «موديل 22» قد يكون عنوانهما الرئيسي بنزيمة وليفاندوفسكي.
الاثنان قامتهما واحدة، 1.85م ، يملكان رأسا ذهبية وتخصصهما الأساسي إسعاد الجماهير لأنهما آلتان رهيبتان في قض مضاجع حراس المرمى.
كل شيء قيل عن الفلتة كريم بنزيمة بعد موسم استثنائي أدهش فيه العالم وقرّبه أكثر من أي وقت مضى من الكرة الذهبية، وها هو يفتتح موسمه الجديد بهدف في مرمى فرانكفورت جعله ينفرد بالمركز الثاني في قائمة الهدافين التاريخيين لريال مدريد باحرازه 324 هدفا متقدما على راوول، (323) ووصيفا لرونالدو (450).
أما «ليفا «المنضم حديثا لبرشلونة يبدو وكأنه «سئم» رفاهية البايرن و«روتين» الانجازات التي لا تنتهي، ففي سن الـ 33 يلوح منطقياً أن يبحث نجم بقيمة «ليفاندوفسكي» عن فضاءات كروية جديدة تجدّد طموحاته بعد أن حقق كل الألقاب في البوندسليغا، 4 مع بوروسيا دورتموند و 19 مع البايرن، غضافة إلى أنه أودع في «بنك» الإحصائيات رقما ضخما من الأهدف بلغ 447 منها 103 لدورتموند و 344 للبطل البافاري.
ولعل في هذه «الأرصدة» الضخمة ما يؤكد حرصه الشديد على مغادرة بافاريا قبل عام من نهاية عقده.
الآن لدينا نجمان بهذه المواصفات التهديفية ولا يخشيان الضغوط ويحملان على عاتقهما مهمة نثر الفرح في الملاعب.
اذن نحن منطقيا أمام صورة توحي لنا بكلاسيكو لا يشبه الماضي، ولكنه يبقى واعداً بالإثارة والمتعة والأهداف!