حركتي فتح والجهاد الاسلامي استهداف ومواجهة...
نشر في : 14 اغسطس, 2022 04:43 مساءً

رام الله - لقد كانت المواجهة الأخيرة في قطاع غزة هي قرارا احتلالي بكامل التفاصيل والسياقات المرتبة والمعدة لذلك ولم تكن منفصلة ومعزولة بحالة اغتيال قامة كفاحية من حركة الجهاد الإسلامي بل كانت مرتبطة في سياق اتجاهات يسعى الإحتلال لصياغتها وترتيب سياسات لاحقة مرتبطة بهذه المواجهة وما حدث خلالها ويسعى لتكريسه لاحقا بناءا على نتائج لم تنتهي حتى اللحظة، وقد كانت هذه المواجهة في سلسلة حرب متواصلة تقوم بها دولة الإحتلال ومنبثقة من تكريس المعنى الواسع والضيق للإحتلال كسياسة ووجود بتكريس السيطرة، فبمعناه الواسع الإبقاء على حالة تكريس كل عوامل إطالة عمر هذا الإحتلال، وبالمعنى الضيق منع الفلسطيني من كل فرصة تعزز موازين صموده وتكبح من معنى تكريس هذه السيطرة، وبناءا على ذلك يتم تعريف النضال الفلسطيني المواجه والمكافح والمستمر في سبيل كسر أدوات وسياسات هذه السيطرة وكسر كل مشاريع الإحتلال القائمة على عناصر الإستمرار والتوسع.
وقد جاءت هذه المواجهة بتضليل احتلالي امني وعسكري واعلامي لافت للنظر، من حيث اعتقال الشيخ بسام السعدي في جنين وتسويق الإعلام في دولة الإحتلال لتبرير الحشود العسكرية حول قطاع غزة تحسبا لردة فعل قد تصدر من قطاع غزة جراء هذا الإعتقال، والأهداف الإحتلالية لم تكن قائمة على إعتقال شخصية مثل الشيخ بسام السعدي الذي كان دائم التواجد في جنين ولم يكن يخفى على احد تواجده هناك او بدقة توصيفية أكثر لم يكن هناك ما ينفي ويستبعد إعتقاله بأية لحظة، وبالمحصلة نفذ الإحتلال مخططاته وحدثت المواجهة وفق قراره ولم تكن حركة الجهاد الإسلامي وحدها في سياق هذا الإستهداف في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل كانت حركة فتح في عمق هذا الإستهداف من خلال استغلال الإعلام في قوة جيش آخر تشن مواجهة مع حركة فتح، بما تم من استهداف لها( الخلية القيادية الأولى)، حيث أن المواجهة العسكرية والحرب التي كان يشنها جيش الإحتلال على قطاع غزة كانت لترفد حركة فتح كخصم متنافس على الساحة الفلسطينية مع حركة حماس بعض النقاط الجماهيرية والشعبية نتاج سلوك الأخيرة وموقفها وتعاملها مع هذه المواجهة والحرب وسقوط الكثير من الإدعاءات في مرمى الواقع الذي يستطيع اي فلسطيني الحكم عليه من خلال ما حدث، كالتخلي عن الوقوف مع حركة الجهاد الإسلامي في هذه المواجهة، ودخول المتطرفين اليمينيين برعاية دولة الإحتلال إلى الحرم القدسي الشريف والمواجهة قائمة، وسقوط كل ما ساقته حركة حماس من شعارات وادعاءات فيما ساقته خلال ما سمي بمعركة سيف القدس، والذي حاولت الأخيرة حصده على صعيد خلق مد شعبي وجماهيري من خلاله، ولكن اللافت ان القصور ووجود حماس في دائرة الوضوح هذه كان على فتح ان تحصد نتائج جماهيرية بناءا عليه، غير انه حدث محاولة لتجريد فتح من هذه الفرصة بما قام به جيش الإعلام المتجند جهلا أو عمدا لمنع حركة فتح من ذلك، وبالمجمل فإنه تم استهداف حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة بصواريخ وقنابل وقذائف لإغتيال قيادات ميدانية وازنة ومركزية في صفوف هذه الحركة وتم في نفس اللحظة فتح جبهة من الإستهداف لقيادات حركة فتح في الضفة الغربية، وهذا لم يكن ليكون عرضي وصدفة وخارج سياق محاولة تكريس الإحتلال لمفهوم السيطرة الواسع والضيق، بل يأتي في صميم استراتيجية وسياسية يمضي الإحتلال لتكريسها، وحتى لا يكون التوصيف في سياق المبالغة والخروج عن الواقع فإن مركزية الإستهداف لدى الإحتلال في هذه المرحلة هو الشرعية الوطنية الفلسطينية لجعلها متآكلة وهشة بفض الغلاف الشعبي من حولها، فحين انقلبت دولة الإحتلال على التسوية والحل القائم على اساس حل الدولتين، هذا لم يجعلها تتخلص من الشعب الفلسطيني والحل الواجب للتعامل معهم كواقع قائم ولم يستسلم هذا الشعب حتى اللحظة ليكون خاضعا ومسلما للإحتلال ولن يسقط في اللحظة، وبالتالي هذا ما دفع بالإحتلال لطرح البديل عن الحل السياسي كالحل الإقتصادي أو ما أطلق عليه البحث عن حلول لتحسين ظروف الحياة للشعب الفلسطيني، وإحلال هذه الحلول وفق مشاريع ليس عرضية ولا مرحلية بل على درجة عالية من التكريس وفي بعض هذه السياسات توسعة عمل سلطة الحكم العسكري بالضفة الغربية( الإدارة المدنية العسكرية)، ومحاولات خلق بدائل تتلائم مع ما يسمى بالحل الإقتصادي.
إن حركة فتح ومن وجهة نظر كافة فصائل العمل الوطني تحظى بإجماع على أنها حركة مركزية ومحورية في المجتمع الفلسطيني ولا يمكن القفز عنها أو تمرير أي مشروع دون ان تكون هذه الحركة بكل تاريخها وحضورها تسمح بذلك، وهي في ظل اغلاق الإحتلال للحل السياسي ستكون عقبة حقيقية وميدانية وسياسية أمام أي حل لا يأتي بتحقيق كامل الحقوق المتعلقة بالدولة والسيادة والحرية بمعناها الوجداني لدى الشعب الفلسطيني، ولهذا يتم اليوم إستهداف خلية القيادة الأولى فيها في محاولة للتفكيك وحرف الأولويات، ولا بد من أستعراض ما تعرض له الشهيد ابراهيم النابلسي من تسريب لتسجيل صوتي مفبرك لسلخه عن انتمائه وعلاقته بحركة فتح، وهذا يأتي أيضا متصلا وتواصلا مع ما تتعرض له هذا الحركة في هذه الفترة.
حركة فتح مازالت متماسكة وقادرة ومبادرة ولعل ما تتعرض له في هذه الايام قد يدفعها لأخذ سلوكيات تتناسب مع ما تتعرض له من خطر الإستهداف، ولعل حركة فتح الإنعكاس الجماهيري والشعبي الكلي عن المجتمع الفلسطيني تمتاز بكل ميزات مجتمعنا وشعبنا، وفي مقدمة هذه الميزات استحضار غير المتوقع، وإن الإشكالية العظمى أو التي يمكن تسميتها أم المشاكل والأزمات لدى حركة فتح ( صورة المصغرة عن المجتمع الفلسطيني ) هي أزمة المسار السياسي مع دولة الإحتلال ولعل هذه الإزمة هي التي تجعل من الإشكاليات الثانوية إشكاليات رئيسية، وبوضوح الحالة والصورة فإن هذه الإزمة هي الأزمة الرئيسية التي يواجهها الشعب الفلسطيني والتي تنتج وينبت منها كافة الإشكاليات والأزمات.
وهذا ما يمكنه أن يكون به الكثير من الأدوات لمواجهة التحديات والمخاطر التي تبنى يوما بعد يوم وبشكل متسارع ومطرد، إذ ان التعامل مع السبب الرئيسي لكل إشكال الأزمة لا بد وأن يعطي فرصة مواجهة هذا السبب، وفي المواجهة تكمن عناصر التغلب على التحديات ومحاصرة المخاطر( السير في مسار سياسي مغلق يعني أن كتلة سرطانية ستبقى تتغذى من باقي الجسد السليم)، لا سرطان حيوي كما هو الإحتلال ولا جسد سليم سوى مجتمعنا الحي قيميا ووطنيا والذي لا يشكل له الإحتلال سوى نقيض وجود ومصلحة وإرث وتاريخ ومستقبل.